لَكِنْ يُكَفُّ عَنْهُ فِي الْحَالِ، فَإِنْ رَجَعَ فَذَاكَ وَإِلَّا حُدَّ وَإِنْ لَمْ يُكَفَّ عَنْهُ فَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِمْ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ شَيْئًا أَمَّا الْحَدُّ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ كَمَا لَا يَسْقُطُ هُوَ وَلَا الثَّابِتُ بِالْإِقْرَارِ بِالتَّوْبَةِ.
(وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ) مِنْ الرِّجَالِ (بِزِنَاهَا وَأَرْبَعٌ) مِنْ النِّسْوَةِ أَوْ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ (بِأَنَّهَا عَذْرَاءُ) بِمُعْجَمَةٍ أَيْ بِكْرٌ سُمِّيَتْ عَذْرَاءُ لِتَعَذُّرِ وَطْئِهَا وَصُعُوبَتِهِ (فَلَا حَدَّ) عَلَيْهَا لِلشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْعَذْرَاءِ أَنَّهَا لَمْ تُوطَأْ وَلَا عَلَى قَاذِفِهَا لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِزِنَاهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْعُذْرَةَ زَالَتْ، ثُمَّ عَادَتْ لِتَرْكِ الْمُبَالَغَةِ فِي الِافْتِضَاضِ وَلَا عَلَى الشُّهُودِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: ٢٨٢] وَقَوْلِي فَلَا حَدَّ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ تُحَدَّ هِيَ وَلَا قَاذِفُهَا، وَظَاهِرٌ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ غَوْرَاءَ بِحَيْثُ يُمْكِنُ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ مَعَ بَقَاءِ الْبَكَارَةِ حُدَّتْ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ.
(وَيَسْتَوْفِيهِ) أَيْ الْحَدَّ (الْإِمَامُ) ، وَلَوْ بِنَائِبِهِ (مِنْ حُرٍّ) لِمَا مَرَّ (وَمُكَاتَبٍ) كَالْحُرِّ لِاسْتِقْلَالِهِ (وَمُبَعَّضٍ) لِجُزْئِهِ الْحُرِّ إذْ لَا وِلَايَةَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ وَالْعَبْدِ الْمَوْقُوفِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ وَعَبْدِ بَيْتِ الْمَالِ (وَسُنَّ حُضُورُهُ) أَيْ الْإِمَامُ، وَلَوْ بِنَائِبِهِ اسْتِيفَاءَ الْحَدِّ سَوَاءٌ أَثَبَتَ الزِّنَا بِالْإِقْرَارِ أَمْ بِالْبَيِّنَةِ وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ بِرَجْمِ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ وَلَمْ يَحْضُرْ» (كَالشُّهُودِ) فَيُسَنُّ حُضُورُهُمْ قَالُوا وَحُضُورُ جَمْعٍ أَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ وَلَمْ تَحْضُرْ.
(وَيَحُدُّ الرَّقِيقَ) غَيْرَ الْمُكَاتَبِ (الْإِمَامُ) لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ (أَوْ السَّيِّدُ) وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ (وَلَوْ فَاسِقًا) أَوْ كَافِرًا وَرَقِيقُهُ كَافِرٌ (أَوْ مُكَاتَبًا) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أُقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»
ــ
[حاشية الجمل]
يُقْبَلُ الرُّجُوعُ فِي غَيْرِ الزِّنَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ كَالشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ مِنْ حَيْثُ سُقُوطُ الْحَدِّ وَالْقَطْعُ وَلَا يُقْبَلُ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْبُلُوغِ أَوْ الْإِحْصَانِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ بِسُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهُ وَبِإِقَامَتِهِ عَلَيْهِ لَا يَعُودُ مُحْصَنًا أَبَدًا فَلَوْ قَذَفَهُ شَخْصٌ لَمْ يُحَدَّ أَوْ قَتَلَهُ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ بَلْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ.
(تَنْبِيهٌ)
لَوْ أَقَرَّ وَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ عُمِلَ بِمُقْتَضَاهَا وَإِنْ تَأَخَّرَتْ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بَعْدَهُمَا، فَإِنْ اسْتَنَدَ حُكْمُهُ لِلْبَيِّنَةِ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ وَإِلَّا فَلَهُ الرُّجُوعُ اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ لَكِنْ يَكُفَّ عَنْهُ) أَيْ وُجُوبًا اهـ ح ل. (قَوْلُهُ وَإِلَّا حُدَّ) فَلَوْ هَرَبَ أَوْ قَالَ لَا تَحُدُّونِي أُتْبِعَ وَلَا يُتْرَكُ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّسَلْسُلِ وَضَيَاعِ الْحَدِّ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ قَالَ رُدُّونِي إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَفْعَلُوا اهـ ح ل. (قَوْلُهُ فَلَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ) أَيْ وَيَسْقُطُ بِغَيْرِهِ كَدَعْوَى زَوْجَتِهِ أَوْ مِلْكِ أَمَةٍ أَوْ ظَنِّ كَوْنِهَا حَلِيلَتَهُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ اهـ شَرْحُ م ر، وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِالزِّنَا فَإِنْ قَالَ مَا أَقْرَرْت فَلَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَكْذِيبًا لِلشُّهُودِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَذَّبَ نَفْسَهُ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ وَيَكُونُ رُجُوعًا سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَوْ قَبْلَهُ اهـ ع ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ مُسْقِطِ الْإِقْرَارِ شَرَعَ فِي مُسْقِطِ الْبَيِّنَةِ اهـ عَمِيرَةُ وَقَوْلُهُ مِنْ الرِّجَالِ إلَخْ وَعَلِمَ كَوْنَ الشُّهُودِ فِي الْأَوَّلِ الرِّجَالَ، وَفِي الثَّانِي النِّسْوَةَ مِنْ إثْبَاتِ التَّاءِ فِي الْأَوَّلِ وَحَذْفِهَا فِي الثَّانِي عَلَى الْقَاعِدَةِ النَّحْوِيَّةِ اهـ زِيَادِيٌّ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَحَلَّ رِعَايَةِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إذَا كَانَ الْمَعْدُودُ مَذْكُورًا، أَمَّا إذَا كَانَ مَحْذُوفًا كَمَا هُنَا فَيَجُوزُ الْأَمْرُ إنْ تَأَمَّلَ لَكِنْ فِي الشَّوْبَرِيِّ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ أَرْبَعَةٌ الْفَصِيحُ عِنْدَ الْحَذْفِ لِلْمَعْدُودِ اسْتِعْمَالُ التَّاءِ مَعَ الْمُذَكَّرِ وَحَذْفُهَا مَعَ الْمُؤَنَّثِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ» اهـ. (قَوْلُهُ بِأَنَّهَا عَذْرَاءُ) أَيْ أَوْ رَتْقَاءُ أَوْ قَرْنَاءُ أَيْ وَلَيْسَتْ غَوْرَاءَ يُمْكِنُ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِيهَا اهـ ح ل. (قَوْلُهُ وَلَا عَلَى قَاذِفِهَا) أَيْ وَلَا عَلَى الزَّانِي أَيْضًا اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ لِتَرْكِ الْمُبَالَغَةِ فِي الِافْتِضَاضِ) أَيْ وَأَمْكَنَ ذَلِكَ وَإِلَّا حُدَّ قَاذِفُهَا وَسَكَتُوا عَنْ حَدِّ الشُّهُودِ وَالْوَاطِئِ وَيَنْبَغِي عَدَمُ حَدِّهِمْ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ حُدَّتْ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ) سَكَتَ عَنْ حَدِّ الْقَاذِفِ وَالشُّهُودِ وَيَنْبَغِي عَدَمُهُ اهـ ح ل.
(قَوْلُهُ وَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ وَظِيفَتِهِ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُفَوِّضْ لِأَوْلِيَاءِ الْمَزْنِيِّ بِهَا كَالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَتْرُكُونَ ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ الْعَارِ، وَلَوْ جَلَدَهُ وَاحِدٌ مِنْ الْآحَادِ ضَمِنَ وَالْحُرِّيَّةُ تُعْتَبَرُ وَقْتَ الْوُجُوبِ اهـ سم. (قَوْلُهُ أَيْضًا وَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ) أَيْ وَيُشْتَرَطُ عَدَمُ قَصْدِهِ لِصَارِفٍ اهـ شَرْحُ م ر فَلَوْ قَصَدَهُ أَثِمَ وَلَا ضَمَانَ لِإِهْدَارِهِ بِثُبُوتِ زِنَاهُ إنْ كَانَ مُحْصَنًا بِخِلَافِ الْبِكْرِ، فَإِنَّ حَدَّهُ بَاقٍ وَمَا فَعَلَهُ الْإِمَامُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَيُعِيدُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُمْهِلَهُ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ أَثَرِ الْأَوَّلِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ مَاتَ بِمَا فَعَلَهُ بِهِ الْإِمَامُ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْ حَدٍّ اهـ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ وَمُكَاتَبٍ) أَيْ كِتَابَةً صَحِيحَةً وَإِنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ وَالْمُوصَى بِإِعْتَاقِهِ إذَا زَنَى بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبْلَ إعْتَاقِهِ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَحْضُرْهُ) فِيهِ أَنَّهُ حَضَرَ بِنَائِبِهِ وَهُوَ أُنَيْسٌ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ قَالُوا وَحُضُورُ جَمْعٍ إلَخْ) تَبَرَّأَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ السَّتْرَ مَطْلُوبٌ لِمَا وَرَدَ أَنَّ اللَّهَ سِتِّيرٌ يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ السِّتِّيرِينَ وَأَيْضًا خَصَّصَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ، وَالظَّاهِرُ إلَخْ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَجْهُ التَّبَرِّي مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّهُ إلَخْ وَقَوْلُهُ، وَالظَّاهِرُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ وَحُضُورُ جَمْعٍ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَنُدِبَ حُضُورُ الْجَمْعِ وَالشُّهُودِ مُطْلَقًا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ لَكِنْ بَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّ حُضُورَ الْبَيِّنَةِ كَافٍ عَنْ حُضُورِ غَيْرِهِمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ أُرِيدَ أَصْلُ السُّنَّةِ لِإِكْمَالِهَا وَيُنْدَبُ لِلْبَيِّنَةِ الْبُدَاءَةُ بِالرَّجْمِ فَإِنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ بَدَأَ الْإِمَامُ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ وَلَمْ تَحْضُرْ) أَيْ الْبَيِّنَةُ أَمَّا إذَا حَضَرَتْ اكْتَفَى بِهَا قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي أَصْلِ السُّنَّةِ لِإِكْمَالِهَا اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ وَيُحَدُّ الرَّقِيقُ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ حَدُّ الزِّنَا وَالْقَذْفِ وَالشُّرْبِ، وَكَذَا قَطْعُهُ فِي السَّرِقَةِ وَالْحِرَابَةِ اهـ عَمِيرَةُ. (قَوْلُهُ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ إلَخْ) أَيْ كِتَابَةً صَحِيحَةً وَإِنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ أَوْ السَّيِّدُ)