كَانَ يُصِيبُهُمْ وَلِئَلَّا يَتَّخِذُوا ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ أَوْ حِيلَةً عَلَى اسْتِبْقَاءِ الْقِلَاعِ لَهُمْ وَفِي ذَلِكَ فَسَادٌ عَظِيمٌ وَلِأَنَّ مَفْسَدَةَ الْإِعْرَاضِ أَكْثَرُ مِنْ مَفْسَدَةِ الْإِقْدَامِ وَلَا يَبْعُدُ احْتِمَالُ قَتْلِ طَائِفَةٍ لِلدَّفْعِ عَنْ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ وَمُرَاعَاةِ الْكُلِّيَّاتِ وَنَقْصِدُ قَتْلَ الْمُشْرِكِينَ وَنَتَوَقَّى الْمُحْتَرَمِينَ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ فَإِنْ لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ فِيهِمَا ضَرُورَةٌ لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَتْلِهِمْ بِلَا ضَرُورَةٍ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ قَتْلِهِمْ وَرَجَحَ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْأُولَى جَوَازُ رَمْيِهِمْ وَعَلَيْهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّانِيَةِ بِأَنَّ الْآدَمِيَّ الْمُحْتَرَمَ مَحْقُونُ الدَّمِ لِحُرْمَةِ الدِّينِ وَالْعَهْدِ فَلَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ بِلَا ضَرُورَةٍ وَالذَّرَارِيُّ حُقِنُوا لِحَقِّ الْغَانِمِينَ فَجَازَ رَمْيُهُمْ بِلَا ضَرُورَةٍ وَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمُسْلِمِينَ.
(وَحَرُمَ انْصِرَافُ مَنْ لَزِمَهُ جِهَادٌ عَنْ صَفٍّ إنْ قَاوَمْنَاهُمْ) وَإِنْ زَادُوا عَلَى مِثْلَيْنَا كَمِائَةٍ أَقْوِيَاءٍ عَنْ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدٍ ضُعَفَاءَ لِآيَةِ {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: ٦٦] مَعَ النَّظَرِ لِلْمَعْنَى وَالْآيَةُ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ أَيْ لِتَصْبِرْ مِائَةٌ لِمِائَتَيْنِ وَعَلَيْهَا يُحْمَلُ قَوْله تَعَالَى {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال: ٤٥] وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي مَنْ لَزِمَهُ جِهَادُ مَنْ لَمْ يَلْزَمْهُ كَمَرِيضٍ وَامْرَأَةٍ وَبِالصَّفِّ مَا لَوْ لَقِيَ مُسْلِمٌ مُشْرِكَيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ انْصِرَافُهُ عَنْهُمَا وَإِنْ طَلَبَهُمَا وَلَمْ يَطْلُبَاهُ وَبِمَا بَعْدَهُ مَا إذَا لَمْ نُقَاوِمْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَزِيدُوا عَلَى مِثْلَيْنَا فَيَجُوزُ الِانْصِرَافُ كَمِائَةٍ ضُعَفَاءَ عَنْ مِائَتَيْنِ إلَّا وَاحِدًا أَقْوِيَاءٍ فَتَعْبِيرِي بِالْمُقَاوَمَةِ وَعَدَمِهَا أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِزِيَادَتِهِمْ عَلَى مِثْلَيْنَا وَعَدَمِهَا (إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ) كَمَنْ يَنْصَرِفُ لِيَكْمُنَ فِي مَوْضِعٍ وَيَهْجُمَ أَوْ يَنْصَرِفَ مِنْ مَضِيقٍ لِيَتْبَعَهُ الْعَدُوُّ إلَى مُتَّسَعٍ سَهْلٍ لِلْقِتَالِ (أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ يَسْتَنْجِدُ بِهَا وَلَوْ بَعِيدَةً) قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً فَيَجُوزُ انْصِرَافُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مُتَحَرِّفًا} [الأنفال: ١٦] إلَى آخِرِهِ (وَشَارِكَا) أَيْ الْمُتَحَرِّفُ وَالْمُتَحَيِّزُ (مَا لَمْ يَبْعُدَا الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ) كَمَا يُشَارِكَانِهِ فِيمَا غَنِمَهُ قَبْلَهَا بِجَامِعِ بَقَاءِ نُصْرَتِهِمَا وَنَجْدَتِهِمَا فَهُمَا كَسَرِيَّةٍ قَرِيبَةٍ تُشَارِكُ الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَهُ بِخِلَافِهِمَا إذَا بَعُدَا لِفَوَاتِ النُّصْرَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّ الْمُتَحَرِّفَ يُشَارِكُ وَحُمِلَ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْعُدْ وَلَمْ يَغِبْ وَالْجَاسُوسُ إذَا بَعَثَهُ الْإِمَامُ لِيَنْظُرَ عَدَدَ الْمُشْرِكِينَ وَيَنْقُلَ أَخْبَارَهُمْ يُشَارِكُ الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَ فِي غَيْبَتِهِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي مَصْلَحَتِنَا وَخَاطَرَ بِنَفْسِهِ أَكْثَرَ مِنْ الثَّبَاتِ فِي الصَّفِّ وَذِكْرُ مُشَارَكَةِ الْمُتَحَرِّفِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ زِيَادَتِي وَإِطْلَاقُ النَّصِّ عَدَمَ
ــ
[حاشية الجمل]
عَنْ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ) أَيْ جَمَاعَتِهِ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّ عَقِيدَتَهُمْ بَيْضَاءُ وَقَوْلُهُ وَمُرَاعَاةِ الْكُلِّيَّاتِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ اهـ عَزِيزِيٌّ أَيْ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ اهـ ع ش وَفِي الْمُخْتَارِ وَبَيْضَةُ كُلِّ شَيْءٍ حَوْزَتُهُ وَبَيْضَةُ الْقَوْمِ سَاحَتُهُمْ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ م ر إلَخْ فِي شَرْحِهِ (قَوْلُهُ لِحُرْمَةِ الدِّينِ) أَيْ فِي الْمُسْلِمِ وَالْعَهِدِ أَيْ فِي الذِّمِّيِّ.
(قَوْلُهُ وَحَرُمَ انْصِرَافُ مَنْ لَزِمَهُ جِهَادٌ) أَيْ لَزِمَهُ دَائِمًا وَأَبَدًا فَلَا يَرِدُ مَا لَوْ دَخَلُوا بَلْدَةً لَنَا حَيْثُ يَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ بِهَا وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً اهـ ح ل مَعَ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا الِانْصِرَافُ (قَوْلُهُ أَيْضًا وَحَرُمَ انْصِرَافُ مَنْ لَزِمَهُ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ مُلَاقَاتِهِ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ قَتْلُهُ لَوْ ثَبَتَ وَخَرَجَ بِالصَّفِّ مَا لَوْ لَقِيَ مُسْلِمٌ كَافِرَيْنِ فَطَلَبَهُمَا أَوْ طَلَبَاهُ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْفِرَارُ لِأَنَّ فَرْضَ الثَّبَاتِ إنَّمَا هُوَ فِي الْجَمَاعَةِ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ لَقِيَ مُسْلِمَانِ أَرْبَعَةَ كُفَّارٍ جَازَ لَهُمَا الْفِرَارُ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ جَمَاعَةٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْجَمَاعَةِ مَا مَرَّ فِي صَلَاتِهَا فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْمُسْلِمَانِ وَيَجُوزُ لِأَهْلِ بَلْدَةٍ قَصَدَهُمْ الْكُفَّارُ التَّحَصُّنُ مِنْهُمْ لِأَنَّ الْإِثْمَ مَنُوطٌ بِمَنْ فَرَّ بَعْدَ لِقَائِهِمْ وَلَوْ ذَهَبَ سِلَاحُهُ وَأَمْكَنَهُ الرَّمْيُ بِأَحْجَارٍ امْتَنَعَ الِانْصِرَافُ وَكَذَا لَوْ مَاتَ مَرْكُوبُهُ وَأَمْكَنَهُ رَاجِلًا وَالْمَعْنَى فِي وُجُوبِ الثَّبَاتِ مَعَ الْمُقَاوَمَةِ أَنَّ الْمُسْلِمَ يُقَاتِلُ عَلَى إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إمَّا أَنْ يُقْتَلَ فَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَوْ يَسْلَمَ فَيَفُوزَ بِالْأَجْرِ وَالْغَنِيمَةِ وَالْكَافِرُ يُقَاتِلُ عَلَى الْفَوْزِ بِالدُّنْيَا اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ عَنْ مِائَتَيْنِ) أَيْ فَيَحْرُمُ انْصِرَافُهُمْ عَنْ مِائَتَيْنِ إلَخْ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا يَأْتِي وَقَوْلُهُ وَوَاحِدٍ مِثْلُ الْوَاحِدِ الِاثْنَانِ وَالثَّلَاثَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ مِثْلُ الْوَاحِدِ الِاثْنَانِ وَالثَّلَاثَةُ لَا أَكْثَرَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ انْتَهَى (قَوْلُهُ فَإِنْ تَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ إلَخْ) دَلِيلٌ عَلَى مَا قَبْلَ الْغَايَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ وَلَوْ زَادُوا عَلَى مِثْلَيْنَا وَاسْتَدَلَّ عَلَى الْغَايَةِ بِقَوْلِهِ مَعَ النَّظَرِ لِلْمَعْنَى وَهُوَ الْمُقَاوَمَةُ اهـ (قَوْلُهُ وَالْآيَةُ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ) أَيْ وَإِلَّا لَزِمَ الْخَلْفُ فِي خَبَرِهِ تَعَالَى اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ وَعَلَيْهَا يُحْمَلُ إلَخْ) أَيْ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ أَيْ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوبِ صَبْرِ مِائَةٍ لِمِائَتَيْنِ اللَّازِمُ مِنْهُ وُجُوبُ صَبْرِ وَاحِدٍ لِاثْنَيْنِ فَقَوْلُهُ فَاثْبُتُوا أَيْ إنْ كَانُوا مِثْلَيْكُمْ (قَوْلُهُ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ) أَيْ مُنْتَقِلًا عَنْ مَحَلِّهِ لِيُمْكِنَ لِأَرْفَعَ مِنْهُ أَوْ أَصْوَنَ مِنْهُ عَنْ نَحْوِ رِيحٍ أَوْ شَمْسٍ أَوْ عَطَشٍ وَقَوْلُهُ أَوْ مُتَحَيِّزًا أَيْ ذَاهِبًا لِفِئَةٍ إلَخْ اهـ شَرْحُ م ر وَفِي الْمُخْتَارِ يُقَالُ انْحَرَفَ عَنْهُ وَتَحَرَّفَ عَدَلَ وَمَالَ اهـ وَفِيهِ أَيْضًا وَانْحَازَ عَنْهُ عَدَلَ وَانْحَازَ الْقَوْمُ تَرَكُوا مَرْكَزَهُمْ إلَى آخِرِهِ انْتَهَى وَلَيْسَ لَنَا عِبَادَةٌ يَجِبُ الْعَزْمُ عَلَيْهَا وَلَا يَجِبُ فِعْلُهَا سِوَى الْفَارِّ مِنْ الصَّفِّ بِقَصْدِ التَّحَيُّزِ وَإِذَا تَحَيَّزَ إلَيْهَا لَا يَلْزَمُهُ الْقِتَالُ مَعَهَا فِي الْأَصَحِّ اهـ م ر اهـ شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَا يَلْزَمُ تَحْقِيقُ قَصْدِهِ بِالرُّجُوعِ لِلْقِتَالِ إذْ لَا يَجِبُ قَضَاءُ الْجِهَادِ وَمَحَلُّ الْكَلَامِ فِيمَنْ تَحَرَّفَ أَوْ تَحَيَّزَ بِقَصْدِ ذَلِكَ ثُمَّ طَرَأَ لَهُ عَدَمُ الْعَوْدِ أَمَّا مَنْ جَعَلَهُ وَسِيلَةً لِذَلِكَ فَشَدِيدُ الْإِثْمِ إذْ لَا تُمْكِنُ مُخَادَعَةُ اللَّهِ فِي الْعَزَائِمِ انْتَهَتْ
(قَوْلُهُ لِيَكْمُنَ فِي مَوْضِعٍ) فِي الْمُخْتَارِ كَمَنْ اخْتَفَى وَبَابُهُ دَخَلَ وَمِنْهُ الْكَمِينُ فِي الْحَرْبِ اهـ وَفِيهِ أَيْضًا هَجَمَ عَلَى الشَّيْءِ بَغْتَةً مِنْ بَابِ دَخَلَ وَهَجَمَ غَيْرُهُ يَتَعَدَّى وَيَلْزَمُ انْتَهَى (قَوْلُهُ يَسْتَنْجِدُ بِهَا) أَيْ يَسْتَنْصِرُ بِهَا عَلَى الْعَدُوِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعِيدَةً) وَالْأَوْجَهُ ضَبْطُ الْبَعِيدَةِ بِأَنْ تَكُونَ فِي حَدِّ الْقُرْبِ الْمَارِّ فِي التَّيَمُّمِ أَخْذًا مِنْ ضَبْطِ الْقَرِيبَةِ بِحَدِّ الْغَوْثِ وَلَوْ حَصَلَ بِتَحَيُّزِهِ كَسْرُ قُلُوبِ الْجَيْشِ امْتَنَعَ وَلَا يُشْتَرَطُ لِحِلِّهِ أَنْ يَسْتَشْعِرَ عَجْزًا يُحْوِجُهُ إلَى اسْتِنْجَادٍ وَإِنْ ذَهَبَ جَمْعٌ إلَى اشْتِرَاطِهِ وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ اهـ شَرْحُ م ر
(قَوْلُهُ وَشَارَكَا الْجَيْشَ) وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي قَصْدِ التَّحَرُّفِ أَوْ التَّحَيُّزِ وَإِنْ لَمْ يَعُودَا إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَبْعُدَا) الْمُرَادُ بِالْبُعْدِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَا يُدْرِكُهُمَا الْغَوْثُ عِنْدَ الِاسْتِغَاثَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute