الْأَقَالِيمِ فِيمَا ذُكِرَ وَمَا ذُكِرَ فِيهِ هُوَ مَا فِي الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ وَالِي الْإِقْلِيمِ لَا يُهَادِنُ جَمِيعَ أَهْلِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْفُورَانِيُّ لَكِنْ صَرَّحَ الْعِمْرَانِيُّ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَتَعْبِيرِي بِالْبَعْضِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِبَلْدَةٍ وَإِنَّمَا تُعْقَدُ (لِمَصْلَحَةٍ) فَلَا يَكْفِي انْتِفَاءُ الْمَفْسَدَةِ قَالَ تَعَالَى {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} [محمد: ٣٥] وَالْمَصْلَحَةُ (كَضَعْفِنَا) بِقِلَّةِ عَدَدٍ وَأُهْبَةٍ (أَوْ رَجَاءِ إسْلَامٍ أَوْ بَذْلِ جِزْيَةٍ) وَلَوْ بِلَا ضَعْفٍ فِيهِمَا (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) بِنَا (ضَعْفٌ جَازَتْ) وَلَوْ بِلَا عِوَضٍ (إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) لِآيَةِ {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ} [التوبة: ٢] «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَادَنَ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ عَامَ الْفَتْحِ رَجَاءَ إسْلَامِهِ فَأَسْلَمَ قَبْلَ مُضِيِّهَا» قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَمَحِلُّهُ فِي النُّفُوسِ أَمَّا أَمْوَالُهُمْ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مُؤَبَّدًا (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ بِنَا ضَعْفٌ (فَإِلَى عَشْرِ سِنِينَ) بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (بِحَسَبِ الْحَاجَةِ) «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَادَنَ قُرَيْشًا هَذِهِ الْمُدَّةَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا إلَّا فِي عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ كُلُّ عَقْدٍ عَلَى عَشْرٍ ذَكَرَهُ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ دَخَلَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ لِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَاسْتَمَعَ فِي مَجَالِسَ يَحْصُلُ بِهَا الْبَيَانُ لَمْ يُمْهَلْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لِحُصُولِ غَرَضِهِ (فَإِنْ زِيدَ) عَلَى الْجَائِزِ مِنْهَا بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ أَوْ الْحَاجَةِ (بَطَلَ فِي الزَّائِدِ) دُونَ الْجَائِزِ عَمَلًا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ
ــ
[حاشية الجمل]
اهـ م ر اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ لَكِنْ صَرَّحَ الْعِمْرَانِيُّ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ) اعْتَمَدَهُ م ر وطب حَيْثُ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ اهـ سم (قَوْلُهُ كَضَعْفِنَا) يُظْهِرُ أَنَّ الضَّعْفَ لَيْسَ هُوَ نَفْسُ الْمَصْلَحَةِ وَأَنَّ فِي التَّمْثِيلِ بِهِ مُسَامَحَةً اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ بَذْلِ جِزْيَةٍ) عَطْفٌ عَلَى الْإِسْلَامِ فَهُوَ مَعْمُولٌ لِرَجَاءَ كَمَا تُصَرِّحُ بِذَلِكَ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ اهـ سم اهـ ع ش (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِنَا ضَعْفٌ إلَخْ) أَيْ وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فَبِالْقُوَّةِ تَحَقَّقَ نَفْيُ الْمَفْسَدَةِ وَبِضَمِّ رَجَاءَ الْإِسْلَامِ أَوْ بَذْلِ الْجِزْيَةِ تَحَقَّقَتْ الْمَصْلَحَةُ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ لِآيَةِ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ مُطْلَقًا وَأَذِنَ فِي الْهُدْنَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بِقَوْلِهِ {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: ٢] انْتَهَتْ.
وَعِبَارَةُ الْجَلَالِ {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: ١] وَاصِلَةٌ {إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ١] عَهْدًا مُطْلَقًا أَوْ دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَوْ فَوْقَهَا وَنَقْضُ الْعَهْدِ فَسِيحُوا سِيرُوا آمَنِينَ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوَّلُهَا شَوَّالٌ بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ} [التوبة: ٥] وَلَا أَمَانَ لَكُمْ بَعْدَهَا {وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ} [التوبة: ٢] {وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ} [التوبة: ٢] مُذِلُّهُمْ فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالْأُخْرَى بِالنَّارِ انْتَهَتْ
(قَوْلُهُ أَمَّا أَمْوَالُهُمْ إلَخْ) مِثْلُهَا النِّسَاءُ وَالْخَنَاثَى كَمَا يَأْتِي بَلْ مِثْلُهُمَا الْأَرِقَّاءُ وَالصِّبْيَانُ كَمَا يَأْتِي عَنْ الْحَلَبِيِّ وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ تَأْخِيرَ هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَإِلَى عَشْرِ سِنِينَ وَضَمَّهُ لِقَوْلِهِ وَعَقْدُ الْهُدْنَةِ لِلْخَنَاثَى إلَخْ (قَوْلُهُ أَيْضًا أَمَّا أَمْوَالُهُمْ إلَخْ) هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الذُّرِّيَّةِ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَادَامُوا صِغَارًا وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لَهُ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مُؤَبَّدًا) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى التَّأْبِيدِ هُنَا هَلْ اسْتِمْرَارُهُ وَإِنْ قَاتَلُونَا وَإِذَا أَسَرْنَاهُمْ وَضَرَبْنَا عَلَيْهِمْ الرِّقَّ هَلْ نَأْخُذُهَا أَوْ نَدْفَعُهَا لِوَارِثِهِمْ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ يُحَرَّرُ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِلَى عَشْرِ سِنِينَ) أَيْ تَحْدِيدِيَّةً اهـ عَمِيرَةُ قَالَ فِي الْعُبَابِ فَإِذَا تَمَّتْ وَالضَّعْفُ بَاقٍ عَقَدَ ثَانِيًا أَوْ زَالَ قَبْلَ تَمَامِهَا وَجَبَ إتْمَامُهَا اهـ سم (قَوْلُهُ بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي بِحَسَبِ الْحَاجَةِ) ظَاهِرُ صَنِيعِهِ هُنَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ مُعْتَبَرٌ فِي مَسْأَلَةِ الْعَشْرِ فَقَطْ وَأَنَّ الْأَرْبَعَةَ لَا تَتَقَيَّدُ بِالْحَاجَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ قَيْدٌ فِيهِمَا وَيُؤَيِّدُهُ تَعْبِيرُ الْمَتْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِإِلَى حَيْثُ قَالَ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَقُلْ جَازَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَقَدْ عَلِمْت مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ إذَا اقْتَضَتْ الْحَاجَةُ عَقْدَهَا شَهْرَيْنِ لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا فَإِنْ زِيدَ بَطَلَ فِي الزَّائِدِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا) أَيْ الْعَشْرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ إلَخْ وَمِثْلُهُ فِي هَذَا التَّعْبِيرِ شَرْحُ م ر وحج وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْأَرْبَعَةِ فِي عُقُودٍ لَا تَجُوزُ عِنْدَ قُوَّتِنَا تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ إلَّا فِي عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ) وَلَا يَعْقِدُ الثَّانِي إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَوَّلِ وَهَكَذَا اهـ شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَى زِيَادَةٍ عَلَى عَشْرٍ عَقَدَ عَلَى عَشْرٍ ثُمَّ عَشْرٍ ثُمَّ عَشْرٍ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ الْأُولَى جَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ انْتَهَتْ.
وَعِبَارَةُ سم عَلَى حَجّ قَوْلُهُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهَا فِي عُقُودٍ أَيْ بِأَنْ يَقَعَ كُلُّ عَقْدٍ قَبْلَ فَرَاغِ مُدَّةِ مَا قَبْلَهُ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ وَلَوْ دَخَلَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِ الْمَتْنِ جَازَتْ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَإِلَّا فَإِلَى عَشْرِ سِنِينَ أَيْ مَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُ الْكَافِرِ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ هَذِهِ الْمُدَّةَ اهـ شَيْخُنَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا مَحَلَّ لَهَا هُنَا أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهَا مِنْ مَسَائِلِ الْأَمَانِ لَا الْهُدْنَةِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ دُخُولَهُ بِقَصْدِ السَّمَاعِ يُؤَمِّنُهُ وَإِنْ لَمْ يُؤَمِّنْهُ أَحَدٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ بِأَمَانٍ اهـ (قَوْلُهُ لَمْ يُمْهَلْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) قَدْ يَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْأَرْبَعَةَ لَا تَجُوزُ مُطْلَقًا بَلْ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَلْيُحَرَّرْ اهـ حَرَّرْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ بِجَعْلِ قَوْلِ الْمَتْنِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ رَاجِعًا لِلْمَسْأَلَتَيْنِ أَيْ مَسْأَلَتَيْ الْأَرْبَعَةِ وَالْعَشَرَةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ زِيدَ عَلَى الْجَائِزِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْمُدَّةِ وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ فَمَا دُونَهَا عِنْدَ قُوَّتِنَا وَالْعَشْرِ فَمَا دُونَهَا عِنْدَ ضَعْفِنَا فَقَوْلُهُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْجَائِزِ أَيْ عَلَى الْقَدْرِ الْجَائِزِ بِحَسَبِ مَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ كَيَوْمٍ وَيَوْمَيْنِ وَشَهْرٍ وَشَهْرَيْنِ وَأَرْبَعَةٍ عِنْدَ الْقُوَّةِ وَأَزْيَدَ مِنْهَا إلَى عَشْرِ سِنِينَ عِنْدَ الضَّعْفِ وَقَوْلُهُ بَطَلَ فِي الزَّائِدِ أَيْ وَإِنْ اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ أَوْ الْحَاجَةُ فِي صُورَةِ الْأَرْبَعَةِ فَمَتَى كَانَ بِنَا قُوَّةٌ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ وَإِنْ اقْتَضَتْهَا الْمَصْلَحَةُ كَمَا فِي الرَّشِيدِيِّ عَلَى م ر وَعِبَارَتُهُ فَلَا يَجُوزُ عَقْدُهَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ إلَّا عِنْدَ الضَّعْفِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ الْقُوَّةِ أَصْلًا وَإِنْ اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ انْتَهَتْ
وَظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي عُقُودٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُمْ خَصُّوا جَوَازَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute