إنْ أَرَادَ يَمِينَ نَفْسِهِ) فَيُسَنُّ لِلْمُخَاطَبِ إبْرَارُهُ فِيهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَرِدْهَا وَيُحْمَلُ عَلَى الشَّفَاعَةِ فِي فِعْلِهِ.
(لَا) قَوْلُهُ (إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ نَحْوُهُ) كَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ مِنْ اللَّهِ أَوْ مِنْ رَسُولِهِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ وَلَا يَكْفُرُ بِهِ إنْ قَصَدَ تَبْعِيدَ نَفْسِهِ عَنْ الْفِعْلِ أَوْ أَطْلَقَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَذْكَارِ وَلْيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَإِنْ قَصَدَ الرِّضَا بِذَلِكَ إنْ فَعَلَهُ فَهُوَ كَافِرٌ فِي الْحَالِ، وَقَوْلِي أَوْ نَحْوُهُ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ بَرِيءَ مِنْ الْإِسْلَامِ.
(وَتَصِحُّ) أَيْ الْيَمِينُ (عَلَى مَاضٍ وَغَيْرِهِ) نَحْوَ وَاَللَّهِ مَا فَعَلْت كَذَا أَوْ فَعَلْته وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ لَا أَفْعَلُهُ (وَتُكْرَهُ) أَيْ الْيَمِينُ
ــ
[حاشية الجمل]
بِاَللَّهِ إلَخْ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ إنْ أَرَادَ بِهِ يَمِينَ نَفْسِهِ) بِأَنْ أَرَادَ تَحْقِيقَ هَذَا الْأَمْرِ الْمُحْتَمَلَ فَإِذَا حَلَفَ شَخْصٌ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ يَأْكُلُ فَالْأَكْلُ أَمْرٌ مُحْتَمَلٌ فَإِذَا أَرَادَ تَحْقِيقَهُ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَكْلِ كَانَ يَمِينًا وَإِنْ أَرَادَ أَتَشَفَّعُ عِنْدَك بِاَللَّهِ أَنَّك تَأْكُلُ أَوْ أَرَادَ يَمِينَ الْمُخَاطَبِ كَأَنْ قَصَدَ جَعْلَهُ حَالِفًا بِاَللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ هُوَ وَلَا الْمُخَاطَبُ اهـ شَيْخُنَا وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُرِدْهَا أَيْ بِأَنْ أَرَادَ يَمِينَ الْمُخَاطَبِ أَوْ الشَّفَاعَةَ أَوْ أَطْلَقَ اهـ ز ي وَقَوْلُهُ وَيُحْمَلُ عَلَى الشَّفَاعَةِ أَيْ جَعَلْت اللَّهَ شَفِيعًا عِنْدَك فِي فِعْلِ كَذَا.
(قَوْلُهُ وَلَا يَكْفُرُ بِهِ إنْ قَصَدَ إلَخْ) وَحَيْثُ لَمْ يَكْفُرْ يَحْرُمُ حَتَّى فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ صَنِيعِ شَرْحِ الرَّوْضِ اهـ شَوْبَرِيٌّ، وَفِي الْبُخَارِيِّ مَا نَصُّهُ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَهُ» اهـ، وَفِي الْقَسْطَلَّانِيِّ عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ أَيْ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِاَلَّذِي نَسَبَهُ لِنَفْسِهِ، وَظَاهِرُهُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ إذَا قَالَ هَذَا الْقَوْلَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعَلَّقَ ذَلِكَ بِالْحِنْثِ وَالتَّحْقِيقُ التَّفْصِيلُ فَإِنْ اعْتَقَدَ تَعْظِيمَ مَا ذَكَرَ كَفَرَ وَإِنْ قَصَدَ حَقِيقَةَ التَّعْلِيقِ فَيُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ كَفَرَ؛ لِأَنَّ إرَادَةَ الْكُفْرِ كُفْرٌ وَإِنْ أَرَادَ الْبُعْدَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَكْفُرْ لَكِنْ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ يُكْرَهُ؟ الثَّانِي هُوَ الْمَشْهُورُ وَلْيَقُلْ نَدْبًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ التَّهْدِيدُ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْوَعِيدِ لَا الْحُكْمُ بِأَنَّهُ صَارَ يَهُودِيًّا وَكَأَنَّهُ قَالَ فَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِمِثْلِ عَذَابِ مَا قَالَ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ» أَيْ اسْتَوْجَبَ عُقُوبَةَ مَنْ كَفَرَ اهـ، وَفِي شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ بِالتَّنْوِينِ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ كَأَنْ يَقُولَ وَحَقِّ الْيَهُودِيَّةِ مَا فَعَلْت كَذَا أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ كَاذِبًا فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَهُوَ كَمَا قَالَ أَيْ يَكُونُ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ وَمَحَلُّهُ إذَا قَصَدَ تَعْظِيمَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُ الْحَاكِمِ «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ كَفَرَ» وَإِلَّا بِأَنْ قَصَدَ الْبُعْدَ عَنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ فَيَكُونُ مَا ذُكِرَ تَغْلِيظًا عَلَى مَنْ يَتَلَفَّظُ بِهِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَقِيلَ حَرَامٌ وَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ يَمِينٌ لَكِنْ يُنْدَبُ لَهُ بَلْ يَلْزَمُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ حَرَامٌ أَنْ يَقُولَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُ وَتَقْيِيدُهُ بِكَاذِبًا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَالصَّادِقُ كَالْكَاذِبِ فِيمَا ذُكِرَ لَكِنَّهُ أَخَفُّ كَرَاهَةً فِي الْمَكْرُوهِ وَالْكَاذِبُ زَادَ بِحُرْمَةِ الْكَذِبِ اهـ
(قَوْلُهُ وَلْيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) أَيْ نَدْبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِهِ وَأَوْجَبَهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ، وَلَوْ مَاتَ مَثَلًا وَلَمْ يُعْرَفْ قَصْدُهُ حُكِمَ بِكُفْرِهِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ تَحْمِلُهُ عَلَى غَيْرِهِ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ بِوَضْعِهِ يَقْتَضِيه وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَذْكَارِ خِلَافُهُ وَهُوَ الصَّوَابُ اهـ ز ي وَحَذْفُهُمْ أَشْهَدُ هُنَا لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ فِي الْإِسْلَامِ الْحَقِيقِيِّ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِيمَا هُوَ لِلِاحْتِيَاطِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِتْيَانِ بِأَشْهَدُ كَمَا فِي رِوَايَةِ «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ) أَيْ كَأَنْ يَقُولَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ وَهِيَ أَكْمَلُ مِنْ غَيْرِهَا اهـ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ وَتَصِحُّ عَلَى مَاضٍ إلَخْ) أَمَّا الْمَاضِي فَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا} [التوبة: ٧٤] {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [المجادلة: ١٤] وَتَجِبُ بِهَا الْكَفَّارَةُ أَيْضًا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَا أَعْلَمُ خَبَرًا يَدُلُّ لِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ بَلْ الدَّلِيلُ قَائِمٌ عَلَى عَدَمِ الْكَفَّارَةِ فِيهَا قَالَ م ر وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلِيُكَفِّرْ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ بِهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لَكِنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَقْرَبُ الْأَدِلَّةِ عَلَى التَّكْفِيرِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِتَعَمُّدِ الْحِنْثِ وَوَجْهُهُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ عِنْدَ تَعَمُّدِ الْحِنْثِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ انْتِهَاك حُرْمَةِ الِاسْمِ وَالِانْتِهَاكُ فِي الْمَاضِي أَبْلَغُ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: ٢] وَجَعَلَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ أَيْ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ أَيْ وَهِيَ الْحَلِفُ عَلَى الْكَذِبِ مَعَ الْعِلْمِ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ لِصَيْرُورَتِهَا كَاذِبَةً أَوَّلًا، وَأَمَّا دَلِيلُ الْمُسْتَقْبَلِ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا» .
(فَائِدَةٌ)
أَنْكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ فِي الْمَاضِي قَالُوا بَلْ هِيَ يَمِينٌ مَحْلُولَةٌ وَتَجِبُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ أَيْ لِمَا سَلَفَ مِنْ الْأَدِلَّةِ اهـ سم.
(فَرْعٌ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute