قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٤] (إلَّا فِي طَاعَةٍ) مِنْ فِعْلٍ وَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ وَتَرْكِ حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ فَطَاعَةٌ (وَ) فِي (دَعْوًى) عِنْدَ حَاكِمٍ (وَ) فِي (حَاجَةٍ) كَتَوْكِيدِ كَلَامٍ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَوَاَللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا» أَوْ تَعْظِيمِ أَمْرٍ كَقَوْلِهِ «وَاَللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» فَلَا تُكْرَهُ فِيهِمَا وَهُمَا مِنْ زِيَادَتِي.
(فَإِنْ حَلَفَ عَلَى) ارْتِكَابِ (مَعْصِيَةٍ) كَتَرْكِ وَاجِبٍ عَيْنِيٍّ وَلَوْ عَرَضًا، وَفِعْلِ حَرَامٍ
ــ
[حاشية الجمل]
قَالَ فِي الْعُبَابِ فَإِنْ حَلَفَ عَلَى مَاضٍ كَاذِبًا عَالِمًا فَهِيَ كَبِيرَةٌ وَتُسَمَّى الْيَمِينَ الْغَمُوسَ فَلْيُكَفِّرْ بِعَقْدِهَا لَا لِانْعِقَادِهَا أَوْ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ وَقَوْلُهُ بِعَقْدِهَا لَا لِانْعِقَادِهَا فِي ذَلِكَ خِلَافٌ طَوِيلٌ حَكَاهُ فِي الْخَادِمِ إلَّا أَنَّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ يُفِيدُ انْعِقَادَهَا حَيْثُ قَالَ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ عَلَى الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ فَإِنْ حَلَفَ عَلَى مَاضٍ كَاذِبًا وَهُوَ عَالَمٌ فَهِيَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ اهـ وَقَوْلُهُ عَالِمًا قَالَ فِي الْخَادِمِ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْعَالِمِ بِهَا بِالْمُتَعَدِّي أَمَّا لَوْ كَانَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ بِأَنْ حَلَفَ مَنْ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَحَلَفَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ تَخْلِيصًا لِنَفْسِهِ فَلَيْسَتْ بِكَبِيرَةٍ بَلْ تَجِبُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ قَاضِيًا وَقَدْ حَكَى الْعَبَّادِيُّ فِي الطَّبَقَاتِ أَنَّ أَبَا ثَوْرٍ وَالْكَرَابِيسِيَّ قَالَا إنَّ مَنْ أُعْسِرَ بِالْحَقِّ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ بَارًّا فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ، وَقَالَ الْمُزَنِيّ يَكُونُ كَاذِبًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَمَا أَنْظَرَهُ وَلَمَا صَحَّ إبْرَاؤُهُ بَلْ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْحَبْسُ يُجْهِدُهُ وَيَضُرُّهُ حَلَفَ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ اهـ كَلَامُ الْخَادِمِ اهـ سم (قَوْلُهُ {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٤] أَيْ وَلَا تُكْثِرُوا الْأَيْمَانَ لِتُصَدَّقُوا وَقِيلَ لَا تَمْتَنِعُوا مِنْ الْيَمِينِ مِنْ فِعْلِ الْبِرِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا حَلَفْت بِاَللَّهِ لَا صَادِقًا وَلَا كَاذِبًا اهـ سم وَقَوْلُهُ عُرْضَةً فُعْلَةٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ تُطْلَقُ عَلَى مَا يَعْرِضُ دُونَ الشَّيْءِ فَيَصِيرُ حَاجِزًا عَنْهُ أَيْ لَا تَجْعَلُوا اللَّهَ كَالْغَرَضِ الْمَنْصُوبِ لِلرُّمَاةِ كُلَّمَا أَرَدْتُمْ الِامْتِنَاعَ مِنْ شَيْءٍ تَتَوَصَّلُوا إلَى ذَلِكَ بِالْحَلِفِ بِهِ اهـ مِنْ حَوَاشِي الْجَلَالِ وَتُعَلَّلُ الْكَرَاهَةُ أَيْضًا بِأَنَّهُ رُبَّمَا عَجَزَ عَنْ الْوَفَاءِ بِهَا وَلِكَثْرَةِ تَوَلُّعِ الشَّيْطَانِ بِهِ الْمُوقِعِ لَهُ فِي النَّدَمِ كَمَا فِي حَدِيثِ «الْحَلِفُ حِنْثٌ أَوْ نَدَمٌ» قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا حَلَفْت بِاَللَّهِ صَادِقًا وَلَا كَاذِبًا قَطُّ اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ
(قَوْلُهُ فَطَاعَةٌ) أَيْ فَهِيَ طَاعَةٌ وَالطَّاعَةُ تَصْدُقُ بِالْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ فَمِنْ أَيِّ قِسْمٍ الْيَمِينُ؟ أَوْ الْمُرَادُ بِالطَّاعَةِ مَا قَابَلَ الْمُمْتَنِعَ فَتَصْدُقُ بِالْمُبَاحِ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَمْ يُعْلَمْ حُكْمُ الْيَمِينِ نَفْسِهَا، وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ قَوْلُهُ فَطَاعَةٌ أَيْ لَيْسَتْ مَكْرُوهَةً ثُمَّ إنْ تَوَقَّفَ عَلَيْهَا فِعْلُ وَاجِبٍ أَوْ تَرْكُ حَرَامٍ وَجَبَتْ أَوْ فِعْلُ مَنْدُوبٍ أَوْ تَرْكُ مَكْرُوهٍ نُدِبَتْ اهـ.
وَعِبَارَةُ سم قَوْلُهُ فَطَاعَةٌ أَيْ لِحَدِيثِ «لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا» قَالَ الْإِمَامُ وَلَا تَجِبُ أَصْلًا وَأَنْكَرَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ، وَقَالَ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صَادِقًا فِي يَمِينِهِ وَكَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مِمَّا لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ كَالدِّمَاءِ وَالْأَبْضَاعِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ خَصْمَهُ لَا يَحْلِفُ إذَا نَكَلَ تَخَيَّرَ فِي الْحَلِفِ وَالرَّدِّ وَإِنْ عَلِمَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَحْلِفُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَلِفُ وَإِنْ كَانَ يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ وَعَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ تَخَيَّرَ أَيْضًا وَإِلَّا فَاَلَّذِي أَرَاهُ وُجُوبُ الْحَلِفِ أَيْضًا دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ كَذِبِ الْخَصْمِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلِفُ وَلَا يُدْفَعُ الْمَالُ لَهُ صَوْنًا لَهُ عَنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.
وَاعْتَمَدَ م ر جَمِيعَ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ وَقَوْلُهُ فَاَلَّذِي أُرَاهُ إلَخْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لِمَ وَجَبَ الْحَلِفُ وَهَلَّا خُيِّرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَفْعِ الْمُدَّعَى بِهِ لَهُ وَإِبَاحَتُهُ لَهُ تَأَمَّلْ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا قَالَهُ شَيْخُنَا بَعْدُ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ لَا يَمَلُّ اللَّهُ) أَيْ لَا يَتْرُكُ إثَابَتَكُمْ حَتَّى تَمَلُّوا أَيْ تَتْرُكُوا الْعَمَلَ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ فَلَا تُكْرَهُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الدَّعْوَى وَالْحَاجَةِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ وَانْظُرْ مَا حُكْمَهَا بَعْدَ نَفْيِ الْكَرَاهَةِ وَقَرَّرَ بَعْضُ الْحَوَاشِي أَنَّ حُكْمَهَا فِي الدَّعْوَى النَّدْبُ وَسَكَتَ عَنْ الثَّانِي هَذَا، وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ فِيهِمَا أَيْ فِي الطَّاعَةِ وَمَا بَعْدَهَا. الصَّادِقُ بِالِاثْنَيْنِ، وَيُتَأَمَّلُ مَعَ قَوْلِهِ فِي ذَاكَ فَطَاعَةٌ فَقَدْ نَصَّ هُنَاكَ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فَالْأَنْسَبُ الْأَوَّلُ تَأَمَّلْ وَأَيْضًا فَالثَّانِي لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ وَهُمَا مِنْ زِيَادَتِي.
(قَوْلُهُ فَإِنْ حَلَفَ عَلَى ارْتِكَابِ مَعْصِيَةٍ إلَخْ) هَذَا إشَارَةٌ إلَى اسْتِثْنَاءٍ رَابِعٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَتُكْرَهُ إلَّا إنْ حَلَفَ عَلَى ارْتِكَابِ مَعْصِيَةٍ فَتَحْرُمُ وَقَوْلُهُ وَلَزِمَهُ حِنْثٌ إلَخْ تَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْحِنْثَ تَارَةً يَجِبُ كَمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَتَارَةً يَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ عَلَى مُبَاحٍ إلَخْ وَتَارَةً يُنْدَبُ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ عَلَى تَرْكِ مَنْدُوبٍ إلَخْ وَتَارَةً يُكْرَهُ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ عَكْسِهِمَا إلَخْ وَتَارَةً يَحْرُمُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا كَالْحِنْثِ بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ حَرَامٍ فَتَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْحِنْثَ تَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ وَلَا تَعْتَرِيهِ الْإِبَاحَةُ؛ لِأَنَّهُ فِي صُورَةِ الْمُبَاحِ يَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى كَمَا عَلِمْت لَكِنْ رَأَيْت فِي حَوَاشِي م ر مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَكُونُ مُبَاحًا وَلْيُنْظَرْ مَا صُورَتُهُ وَبِضِدِّ مَا قِيلَ فِيهِ يُقَالُ فِي الْبِرِّ فَحَيْثُ وَجَبَ الْحِنْثُ حَرُمَ الْبِرُّ وَحَيْثُ حَرُمَ الْحِنْثُ وَجَبَ الْبِرُّ وَحَيْثُ نُدِبَ الْحِنْثُ كُرِهَ الْبِرُّ وَحَيْثُ كُرِهَ الْحِنْثُ نُدِبَ الْبِرُّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَتَرْكِ وَاجِبٍ عَيْنِيٍّ) أَمَّا لَوْ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْكِفَايَةِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute