(عَصَى) بِحَلِفِهِ (وَلَزِمَهُ حِنْثٌ وَكَفَّارَةٌ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْحِنْثُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ سِوَاهُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ فَإِنَّ لَهُ طَرِيقًا بِأَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ صَدَاقِهَا أَوْ يُقْرِضَهَا ثُمَّ يُبَرِّئَهَا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ حَاصِلٌ مَعَ بَقَاءِ التَّعْظِيمِ.
(أَوْ) عَلَى تَرْكِ أَوْ فِعْلِ (مُبَاحٍ) كَدُخُولِ دَارٍ وَأَكْلِ طَعَامٍ وَلُبْسِ ثَوْبٍ (سُنَّ تَرْكُ حِنْثِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى نَعَمْ إنْ تَعَلَّقَ بِتَرْكِهِ أَوْ فِعْلِهِ غَرَضٌ دِينِيٌّ كَأَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَيِّبًا وَلَا يَلْبَسَ نَاعِمًا فَقِيلَ يَمِينٌ مَكْرُوهَةٌ وَقِيلَ يَمِينُ طَاعَةٍ اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ فِي خُشُونَةِ الْعَيْشِ وَقِيلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَقُصُودِهِمْ وَفَرَاغِهِمْ لِلْعِبَادَةِ قَالَ الشَّيْخَانِ، وَهُوَ الْأَصْوَبُ (أَوْ) عَلَى (تَرْكِ مَنْدُوبٍ) كَسُنَّةِ ظُهْرٍ (أَوْ فِعْلِ مَكْرُوهٍ) كَالْتِفَاتٍ فِي الصَّلَاةِ (سُنَّ حِنْثُهُ وَعَلَيْهِ) بِالْحِنْثِ (كَفَّارَةٌ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (أَوْ) عَلَى (عَكْسِهِمَا) أَيْ عَلَى فِعْلِ مَنْدُوبٍ أَوْ تَرْكِ مَكْرُوهٍ (كُرِهَ) أَيْ حِنْثُهُ وَعَلَيْهِ بِالْحِنْثِ كَفَّارَةٌ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي.
(وَلَهُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ بِلَا صَوْمٍ عَلَى أَحَدِ سَبَبَيْهَا)
ــ
[حاشية الجمل]
عَلَيْهِ أَوْ يُمْكِنْ سُقُوطُهُ كَالْقَوَدِ يَسْقُطُ بِالْعَفْوِ فَلَا يَسْقُطُ بِالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِهِمَا كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ عَصَى بِحَلِفِهِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ التَّرْكُ أَوْ الْفِعْلُ لَا مِنْ حَيْثُ الْيَمِينُ كَمَا تَقَدَّمَ فَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَرَضًا) كَصَلَاةِ جِنَازَةٍ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ اهـ س ل، وَقَالَ ع ش كَأَنْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِشَيْءٍ اهـ
(قَوْلُهُ وَلَزِمَهُ حِنْثٌ) أَيْ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ مَعْصِيَةٌ اهـ شَرْحُ الرَّوْضِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْحِنْثَ فَوْرِيٌّ وَانْظُرْ تَحَقُّقَهُ بِمَاذَا ثُمَّ رَأَيْت فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا نَصُّهُ، وَظَاهِرٌ أَنَّ وُجُوبَ الْحِنْثِ لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي الْيَمِينِ الْمُؤَقَّتَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمُطْلَقَةِ لَا يَحْنَثُ إلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ آخِرِ حَيَاتِهِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ وَلَزِمَهُ حِنْثٌ وَكَفَّارَةٌ اُنْظُرْ مَتَى يَتَحَقَّقُ حِنْثُهُ فِي فِعْلِ الْحَرَامِ هَلْ هُوَ بِالْمَوْتِ أَوْ بِعَزْمِهِ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَلَكِنَّهُ يَجِبُ الْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ وَالنَّدْبُ عَلَى الْحَلِفِ لِيَخْلُصَ بِذَلِكَ مِنْ الْإِثْمِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَجِّلَهَا بَعْدَ الْحَلِفِ مُسَارَعَةً لِلْخَيْرِ مَا أَمْكَنَ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ» إلَخْ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَإِنْ قِيلَ الْحَلِفُ بِالْيَمِينِ لَا عَلَى الْيَمِينِ قُلْنَا " عَلَى " فِيهَا وَجْهَانِ الْأَوَّلُ أَنَّهَا بِمَعْنَى الْبَاءِ فَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ إذَا حَلَفْت بِيَمِينٍ، الثَّانِي التَّقْدِيرُ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا يُحْلَفُ عَلَيْهِ اهـ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّ عَلَى صِلَةٌ وَيُنْصَبُ يَمِينٌ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مُلَاقٍ فِي الْمَعْنَى لَا فِي اللَّفْظِ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ بِأَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ صَدَاقِهَا إلَخْ) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ كَوْنِ هَذَا طَرِيقًا إذْ الْمُرَادُ بِالطَّرِيقِ مَا يَخْلُصُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي حَلَفَ عَلَى ارْتِكَابِهَا وَهِيَ هُنَا بَاقِيَةٌ بِعَدَمِ الْإِنْفَاقِ وَالْإِعْطَاءِ وَالْفَرْضُ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْوَاجِبِ بَلْ هُوَ مُتَلَبِّسٌ بِعَدَمِ أَدَائِهِ، وَإِنَّمَا الطَّرِيقُ حِينَئِذٍ رِضَاهَا بِبَقَاءِ النَّفَقَةِ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ إسْقَاطِهَا عَنْهُ حَرِّرْ.
(قَوْلُهُ سُنَّ تَرْكُ حِنْثِهِ) الْأَخْصَرُ سُنَّ بِرُّهُ وَانْظُرْ لِمَ عَدَلَ عَنْ الْأَخْصَرِ (قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ تَعَلَّقَ بِتَرْكِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْعُبَابِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَنَعَّمُ بِلِبَاسٍ أَوْ غَيْرِهِ بِنِيَّةِ التَّزَهُّدِ وَلَهُ صَبْرٌ وَتَفَرُّغٌ لِلْعِبَادَةِ فَهُوَ طَاعَةٌ وَإِلَّا فَمَكْرُوهٌ انْتَهَتْ اهـ سم وَانْظُرْ هَذَا الِاسْتِدْرَاكَ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ إذْ كَلَامُ الْمَتْنِ فِي حُكْمِ الْحِنْثِ وَالِاسْتِدْرَاكُ فِي حُكْمِ الْيَمِينِ نَفْسِهَا (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصْوَبُ) أَيْ الِاخْتِلَافُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَقُصُودِهِمْ، وَظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ الشَّيْئَيْنِ، وَلَوْ اعْتَبَرَ الْقَصْدَ فَقَطْ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا لَا يَخْفَى اهـ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَلَهُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ إلَخْ) افْهَمْ قَوْلَهُ وَلَهُ أَنَّ الْأَوْلَى التَّأْخِيرُ وَهُوَ كَذَلِكَ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ بُرُلُّسِيٌّ (أَقُولُ) عِبَارَةُ الْعُبَابِ وَمُوجِبُهَا أَيْ الْكَفَّارَةِ الْحَلِفُ وَالْحِنْثُ مَعًا وَتَأْخِيرُهَا عَنْهُمَا أَفْضَلُ وَتَجُوزُ فِي غَيْرِ صَوْمٍ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ الْحِنْثُ بِتَرْكِ فَرْضٍ أَوْ فِعْلِ حَرَامٍ إنْ وُجِدَ شَرْطُ الْإِجْزَاءِ عِنْدَ الْحِنْثِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ وَقَعَتْ تَطَوُّعًا وَإِنْ ارْتَدَّ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ عَنْهَا أَوْ تَعَيَّبَ لَمْ يُجْزِهِ اهـ وَانْظُرْ لَوْ مَاتَ ثُمَّ رَأَيْت الرَّوْضَ صَرَّحَ بِأَنَّهُ كَذَلِكَ أَيْ لَا يُجْزِئُ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي لَوْ أَيِسَ مِنْ الْحِنْثِ وَكَانَ قَدْ شَرَطَ الرُّجُوعَ فِيمَا دَفَعَهُ رَجَعَ كَالزَّكَاةِ، وَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَقُولُ اُنْظُرْ هَلْ يَأْتِي ذَلِكَ فِي الْعِتْقِ عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ اهـ سم.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَشَرْطُ إجْزَاءِ الْعِتْقِ الْمُعَجَّلِ كَفَّارَةً بَقَاءُ الْعَبْدِ حَيًّا مُسْلِمًا سَلِيمًا مِنْ الْعُيُوبِ إلَى الْحِنْثِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْمُعَجَّلِ عَنْ الزَّكَاةِ لَا يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ إلَى الْحَوْلِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمُسْتَحِقِّينَ ثَمَّ شُرَكَاءُ لِلْمَالِكِ وَقَدْ قَبَضُوا حَقَّهُمْ وَبِهِ يَزُولُ تَعَلُّقُهُمْ بِالْمَالِ فَأَجْزَأَ وَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّهُمْ عِنْدَهُ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ تَعَلُّقٌ، وَأَمَّا هُنَا فَالْوَاجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ لَا تَبْرَأُ إلَّا بِنَحْوِ قَبْضٍ صَحِيحٍ فَإِذَا مَاتَ الْعَتِيقُ أَوْ ارْتَدَّ أَوْ عَمِيَ مَثَلًا بَانَ بِالْحِنْثِ الْمُوجِبِ لِلْكَفَّارَةِ بَقَاءُ الْحَقِّ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَبْرَأْ عَنْهُ بِمَا سَبَقَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَتَّصِلْ بِمُسْتَحِقِّهِ وَقْتَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ قَدَّمَهَا وَكَانَتْ غَيْرَ عِتْقٍ وَلَمْ يَحْنَثْ اسْتَرْجَعَ كَالزَّكَاةِ أَيْ إنْ شَرَطَهُ أَوْ عَلِمَ الْقَابِضُ أَنَّهَا مُعَجَّلَةٌ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ أَعْتَقَ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ حِنْثِهِ أَوْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ عَدَمِهِ وَقَعَ عِتْقُهُ تَطَوُّعًا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِرْجَاعِ فِيهِ أَيْ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقَعْ هُنَا حِنْثٌ بَانَ أَنَّ الْعِتْقَ تَطَوُّعٌ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ انْتَهَتْ مَعَ بَعْضِ زِيَادَةٍ ل ع ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ عَلَى أَحَدِ سَبَبَيْهَا) هُمَا فِي الْيَمِينِ الْحَلِفُ وَالْحِنْثُ، وَفِي الظِّهَارِ الظِّهَارُ وَالْعَوْدُ، وَفِي الْقَتْلِ الضَّرْبُ وَالزُّهُوقُ وَالْمُرَادُ بِالْأَحَدِ هُوَ ثَانِي الْأَسْبَابِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فَكَلَامُهُ هُنَا فِي الْكَفَّارَةِ الشَّامِلَةِ لِأَقْسَامِهَا الثَّلَاثَةِ فَلِذَلِكَ ذَكَرَهَا الشَّارِحُ وَقَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي فِيمَا عَدَا الْحِنْثَ أَيْ فِي السَّبَبَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا غَيْرُ الْحِنْثِ وَهُمَا الْعَوْدُ وَالْمَوْتُ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا عَلَى أَحَدِ