وَلَمْ يَكُنْ مُتَوَارِيًا وَلَا مُتَعَزِّزًا وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَ عُقُوبَةُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَالَى مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ بِخِلَافِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فَيُقْضَى فِيهِ عَلَى الْغَائِبِ (إنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي حُجَّةٌ وَلَمْ يَقُلْ هُوَ) أَيْ الْغَائِبُ (مُقِرٌّ) بِالْحَقِّ بِأَنْ قَالَ هُوَ جَاحِدٌ لَهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ أَطْلَقَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْلَمُ جُحُودَهُ وَلَا إقْرَارَهُ وَالْحُجَّةَ تُقْبَلُ عَلَى السَّاكِتِ فَلْتُجْعَلْ غَيْبَتُهُ كَسُكُوتِهِ فَإِنْ قَالَ هُوَ مُقِرٌّ وَأَنَا أُقِيمُ الْحُجَّةَ اسْتِظْهَارًا لَمْ تُسْمَعْ حُجَّتُهُ لِتَصْرِيحِهِ بِالْمُنَافِي لِسَمَاعِهَا إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهَا مَعَ الْإِقْرَارِ نَعَمْ لَوْ كَانَ لِلْغَائِبِ مَالٌ.
ــ
[حاشية الجمل]
فِي فَتْحِهَا لَمَّا حَضَرَتْ هِنْدُ لِلْمُبَايَعَةِ وَذَكَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا آيَةَ وَلَا يَسْرِقْنَ فَذَكَرَتْ هِنْدُ ذَلِكَ اهـ شَرْحُ م ر
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ مُتَوَارِيًا وَلَا مُتَعَزِّزًا) وَحِينَئِذٍ الْحَقُّ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْفَتْوَى وَالْمُلَازَمَةِ فِي قَوْلِ الْجَمْعِ، وَلَوْ كَانَ فَتْوَى لَقَالَ لَك أَنْ تَأْخُذِي إلَخْ مَمْنُوعَةٌ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَتْوَى وَيَقُولَ خُذِي اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ ح ل قَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ مُتَوَارِيًا وَلَا مُتَعَزِّزًا أَيْ وَلَا دَعْوَى وَلَا تَحْلِيفُ فَهُوَ إفْتَاءٌ لَا قَضَاءٌ وَكَوْنُهُ لَا يُقَالُ فِي الْفُتْيَا خُذِي فِي مَحَلِّ الْمَنْعِ، وَهَذَا هُوَ وَجْهُ تَبَرِّي الشَّارِحِ وَالدَّلِيلُ النَّافِعُ أَنَّهُ صَحَّ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَ عُقُوبَةُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ) كَحَدِّ شُرْبٍ أَوْ زِنًا بِأَنْ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ أَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِهِ ثُمَّ هَرَبَ وَيَجُوزُ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ فِي الْحُقُوقِ الَّتِي تُسْمَعُ فِيهَا دَعْوَى الْحِسْبَةِ وَلَا يَجِبُ يَمِينُ الِاسْتِظْهَارِ فَإِذَا ادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِذَلِكَ فِي غَيْبَةِ سَيِّدِهِ قُضِيَ لَهُ بِهَا وَلَا يَحْلِفُ اهـ ح ل (قَوْلُهُ مِنْ حَدٍّ) كَحَدِّ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا اعْتَرَفَ بِهِمَا عِنْدَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ عَلَيْهِ ثُمَّ هَرَبَ اهـ ز ي (قَوْلُهُ إنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي حُجَّةٌ) أَيْ بِالْحَقِّ الَّذِي يَدَّعِيهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ وَكِيلٌ حَاضِرٌ لِأَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْغَائِبِ وَقَوْلُهُ حُجَّةٌ شَامِلٌ لِلشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ بَلْ لِأَيْمَانِ الْقَسَامَةِ اهـ ح ل وَفِي الْعُبَابِ كَالرَّوْضِ وَغَيْرِهِ وَشَرْطُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ كَهِيَ عَلَى الْحَاضِرِ وَزِيَادَةِ وَأَنَا مُطَالِبٌ بِذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَلَوْ نَاقِصَةً حَيْثُ يُقْبَلُ اهـ وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ مَا نَصُّهُ (فَرْعٌ) .
لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْغَائِبِ بِإِسْقَاطِ حَقٍّ لَهُ كَمَا لَوْ قَالَ كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ قَضَيْته إيَّاهَا أَوْ أَبْرَأَنِي مِنْهَا وَلِي بِهَا بَيِّنَةٌ وَلَا آمَنُ إنْ خَرَجْت إلَيْهِ أَنْ تُطَالِبَنِي وَيَجْحَدَ الْقَبْضَ أَوْ الْإِبْرَاءَ فَاسْمَعْ بَيِّنَتِي وَاكْتُبْ بِذَلِكَ إلَى قَاضِي بَلَدِهِ فَإِنَّهُ لَا يُجِيبُهُ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى بِذَلِكَ وَالْبَيِّنَةَ لَا تُسْمَعُ إلَّا بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِالْحَقِّ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَطَرِيقُهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَدَّعِيَ إنْسَانٌ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَحَالَ بِهِ فَيَعْتَرِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ لِرَبِّهِ وَبِالْحَوَالَةِ وَيَدَّعِيَ أَنَّهُ أَبْرَأهُ مِنْهُ أَوْ أَقْبَضَهُ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بِذَلِكَ، وَالْبَيِّنَةُ وَإِنْ كَانَ رَبُّ الدَّيْنِ حَاضِرًا بِالْبَلَدِ اهـ.
مَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَقَالَ م ر مَحَلُّ عَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ فِيمَا مَرَّ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ قَالَ إنْ خَرَجْت إلَيْهِ أَخَذَ مِنِّي الْمَالَ قَهْرًا أَوْ حَبَسَنِي أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ اهـ سم (قَوْلُهُ أَيْضًا إنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي حُجَّةٌ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَقْلًا عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ لَوْ غَابَ أَوْ تَوَارَى أَوْ هَرَبَ مِنْ الْمَجْلِسِ عِنْدَ الدَّعْوَى جُعِلَ كَالنَّاكِلِ فَيَحْلِفُ خَصْمُهُ وَلَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً ثُمَّ أَعَادَ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَيَّدَهَا بِمَا إذَا قَالَ الْمُدَّعِي لَا بَيِّنَةَ لِي (تَنْبِيهٌ) لَا يَكْفِي فِي الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ لِي عَلَيْهِ كَذَا بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ وَأَنَا طَالِبُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْغَيْبَةِ (تَنْبِيهٌ) قَدْ تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ مَعَ حُضُورِ الْخَصْمِ بِالْبَلَدِ بِلَا تَوَارٍ وَلَا تَعَزُّزٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي هَامِشِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ الْآتِي عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ اهـ سم وَعِبَارَتُهُ هُنَاكَ، وَقَدْ تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْحُجَّةُ مَعَ حُضُورِ الْخَصْمِ فِي الْبَلَدِ، وَلَكِنْ تَبِعَا فِي ذَلِكَ بِأَنْ يَدَّعِيَ إنْسَانٌ عَلَى آخَرَ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ قَدْ أَحَالَ بِهِ صَاحِبَهُ فَيَعْتَرِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ لِرَبِّهِ وَبِالْحَوَالَةِ، وَيَدَّعِي أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْهُ أَوْ أَقْبَضَهُ قَبْلَهَا فَلَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا وَيُقِيمُ بَيِّنَةً بِذَلِكَ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَتَثْبُتُ الْبَرَاءَةُ أَوْ الْقَبْضُ وَإِنْ كَانَ رَبُّ الدَّيْنِ حَاضِرًا بِالْبَلَدِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَاعْتَمَدَهُ م ر وَأَفْتَى بِمِثْلِهِ فِيمَا لَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ نَذَرَ لَهُ كَذَا إنْ ثَبَتَ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا فَيَعْتَرِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالنَّذْرِ وَيُنْكِرُ ثُبُوتَ كَذَا لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ فَيَجُوزُ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَدَّعِيَ ثُبُوتَهُ وَيُقِيمَ بِهِ بَيِّنَةً فَيَثْبُتُ وَيَسْتَحِقُّ النَّذْرَ، وَإِنْ كَانَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ حَاضِرَيْنِ بِالْبَلَدِ اهـ انْتَهَتْ بِالْحَرْفِ
(قَوْلُهُ حُجَّةٌ شَامِلَةٌ لِلشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ) فَيَقْضِي بِهِمَا عَلَى الْغَائِبِ كَالْحَاضِرِ وَهَلْ يَكْفِي يَمِينٌ أَوْ يُشْتَرَطُ يَمِينَانِ إحْدَاهُمَا لِتَكْمِيلِ الْحُجَّةِ وَالثَّانِيَةُ لِلِاسْتِظْهَارِ وَالْأَصَحُّ الثَّانِي اهـ دَمِيرِيٌّ وَمِثْلُهُ الدَّعْوَى عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَيِّتِ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ فَإِنْ قَالَ هُوَ مُقِرٌّ إلَخْ) أَيْ، وَهُوَ مَقْبُولُ الْإِقْرَارِ فَإِنْ كَانَ لَا يَقْبَلُ إقْرَارَهُ لِسَفَهٍ أَوْ نَحْوِهِ سُمِعَتْ اهـ ح ل (قَوْلُهُ لِتَصْرِيحِهِ بِالْمُنَافِي إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقَامُ عَلَى مُقِرٍّ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ كَانَ لِلْغَائِبِ) حَاصِلُ مَا اسْتَثْنَاهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ قَالَ هُوَ مُقِرٌّ لَمْ تُسْمَعْ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ قَوْلِهِ وَأَنَا أُقِيمُ الْحُجَّةَ إلَخْ إذْ مَعَ النَّظَرِ إلَيْهِ لَا يَظْهَرُ اسْتِثْنَاءُ الثَّلَاثَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute