وَسَكْرَانَ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ وَلَا عَلَى حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ لِعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُمَا وَوُجُوبُهَا عَلَى الْمُتَعَدِّي بِجُنُونِهِ أَوْ إغْمَائِهِ أَوْ سُكْرِهِ عِنْدَ مَنْ عَبَّرَ بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ وُجُوبَ انْعِقَادٍ سَبَبٌ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي
(فَلَا قَضَاءَ عَلَى كَافِرٍ أَصْلِيٍّ) إذَا أَسْلَمَ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨] وَخَرَجَ بِالْأَصْلِ الْمُرْتَدُّ فَعَلَيْهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ
ــ
[حاشية الجمل]
وَسَكْرَانَ) سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِعَدَمِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمَجْنُونِ وَمَا بَعْدَهُ فِي كَلَامِ الْمَتْنِ فَلَعَلَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ هُنَا تَنْبِيهًا عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَهُوَ غَيْرُ مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ وَوُجُوبُهَا عَلَى الْمُتَعَدِّي بِجُنُونِهِ أَوْ إغْمَائِهِ إلَخْ وَلَمْ يُفِدْ الْجُنُونَ وَالْإِغْمَاءَ وَالسُّكْرَ بِعَدَمِ التَّعَدِّي هُنَا إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ بَيْنَ التَّعَدِّي وَعَدَمِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَجِيئِهِ فِي الْقَضَاءِ مَجِيئُهُ فِي الْوُجُوبِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ) قَدْ يُقَالُ فِيهِ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَهُوَ عَدَمُ تَكْلِيفٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُعَلَّلُ خَاصٌّ وَالتَّعْلِيلُ عَامٌّ فَهُوَ تَعْلِيلٌ لِنَفْيِ الْخَاصِّ بِنَفْيِ الْعَامِّ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ) أَيْ وَإِنْ تَسَبَّبَا فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ بِدَوَاءٍ وَنَحْوِهِ وَيُثَابَانِ عَلَى التَّرْكِ امْتِثَالًا اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: وُجُوبَ انْعِقَادِ سَبَبٍ) أَيْ وُجُوبُ سَبَبِهِ انْعِقَادُ السَّبَبِ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ فَفِي الْعِبَارَةِ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: فَلَا قَضَاءَ عَلَى كَافِرٍ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِ الْمَتْنِ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَمَنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لَكِنَّهُ فِي الشِّقِّ الثَّانِي مُعْتَرَضٌ بِالْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ الْمُتَعَدِّي كُلٌّ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْأَدَاءُ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ اهـ شَيْخُنَا وَقَوْلُهُ عَلَى كَافِرٍ أَيْ وَإِنْ انْتَقَلَ فِي زَمَنِ الْكُفْرِ مِنْ مِلَّةٍ إلَى أُخْرَى اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: أَيْضًا فَلَا قَضَاءَ عَلَى كَافِرٍ أَصْلِيٍّ) أَيْ لَا قَضَاءٌ وَاجِبٌ وَلَا مَنْدُوبٌ وَلَا يَنْعَقِدُ أَيْضًا بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر وَلَا تَنْعَقِدُ حَيْثُ كَانَ عَالِمًا عَامِدًا وَإِلَّا وَقَعَتْ لَهُ نَفْلًا مُطْلَقًا ثُمَّ قَالَ وَنَقَلَ سم عَنْ الشَّارِحِ أَنَّ قَضَاءَهُ لَا يُطْلَبُ وُجُوبًا وَلَا نَدْبًا؛ لِأَنَّهُ يَنْفِرُ وَالْأَصْلُ فِيمَا لَمْ يُطْلَبْ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ اهـ لَكِنْ قَدْ يُشْكِلُ ذَلِكَ بِانْعِقَادِهَا مِنْ الْحَائِضِ إذَا قَضَتْ، فَإِنَّ الْفِعْلَ غَيْرُ مَطْلُوبٍ مِنْهَا لِكَرَاهَتِهِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحَائِضَ لَمَّا كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ صَحَّ مِنْهَا الْقَضَاءُ بِخِلَافِ الْكَافِرِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ أَصْلًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَيْضِ هَذَا وَانْظُرْ حُكْمَ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ هَلْ يَصِحُّ قَضَاؤُهُمَا أَوْ لَا، فَإِنْ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ الَّتِي قَالَ بِهَا السُّيُوطِيّ اُحْتِيجَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ، وَقَدْ يُقَالُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الزَّكَاةِ مُوَاسَاةُ الْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ وَتَعَلُّقُ حَقِّهِمْ بِالْمَالِ وَبِحَوَلَانِ الْحَوْلِ فَالْتَحَقَتْ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ الَّتِي لَا تَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ فَاعْتُدَّ بِدَفْعِهَا مِنْهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لِأَرْبَابِهَا انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَى صَبِيٍّ أَيْ لَا يَجِبُ وَيُنْدَبُ لَهُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنْ حِينِ التَّمْيِيزِ، وَأَمَّا مَا قَبْلَهُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَلَا يَنْعَقِدُ اهـ ع ش عَلَى م ر وَقَوْلُهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَى ذِي جُنُونٍ إلَخْ أَيْ لَا قَضَاءٌ وَاجِبٌ بَلْ يُنْدَبُ لِلثَّلَاثَةِ اهـ شَيْخُنَا وَقَوْلُهُ وَلَا عَلَى حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ أَيْ لَا قَضَاءٌ وَاجِبٌ وَلَا مَنْدُوبٌ بَلْ يُكْرَهُ وَيَنْعَقِدُ نَفْلًا مُطْلَقًا اهـ حَلَبِيٌّ (قَوْلُهُ: تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ) قَدَّمَهُ عَلَى الْآيَةِ لِقُوَّتِهِ فِي الدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ عَلَى عُمُومِهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا حُقُوقُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْكَافِرِ أَمَّا حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ فَلَا تَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِ وَكَذَا لَوْ زَنَى فِي كُفْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْحَدُّ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي مَحَلِّهِ اهـ إطْفِيحِيٌّ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَبَ مِنْهُ قَضَاءَ عِبَادَاتِ زَمَنِ كُفْرِهِ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا لَكَانَ سَبَبًا لِتَنْفِيرِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ لِكَثْرَةِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ خُصُوصًا إذَا مَضَى غَالِبُ عُمْرِهِ فِي الْكُفْرِ اهـ شَرْحُ م ر، وَإِذَا أَسْلَمَ أُثِيبَ عَلَى مَا فَعَلَهُ فِي الْكُفْرِ مِمَّا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ كَعِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَجَرَى خِلَافٌ فِي ثَوَابِ أَعْمَالِ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ هَلْ يُجَازَى عَلَيْهَا مُضَاعَفًا أَوْ لَا قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَلْقَمِيُّ لَا مَانِعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُضِيفُ إلَى حَسَنَاتِهِ فِي الْإِسْلَامِ مَا صَدَرَ مِنْهُ فِي الْكُفْرِ تَفَضُّلًا مِنْهُ وَإِحْسَانًا فَاَلَّذِي فِيهِ لَفْظُ الْإِضَافَةِ لَا الْمُضَاعَفَةُ فَيُفِيدُ أَنَّهُ يُجَازَى عَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُ فِي الْكُفْرِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ مِنْ غَيْرِ تَضْعِيفٍ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُضَاعَفَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْعَمَلِ الْحَاصِلِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَلَفْظَهُ «إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ كُلَّ حَسَنَةٍ كَانَ زَلَفَهَا وَمَحَى عَنْهُ كُلَّ سَيِّئَةٍ كَانَ زَلَفَهَا وَكَانَ عَمَلُهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِعَشَرَةِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةٍ وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا إلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ» فَقَيَّدَ الْمُضَاعَفَةَ بِكَوْنِهَا فِي الْعَمَلِ الصَّادِرِ مِنْهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ وَكَانَ عَمَلُهُ بَعْدَ إلَخْ وَسُئِلَ الْعَلَّامَةُ م ر عَنْ ذِمِّيٍّ لَهُ عَلَى مُسْلِمٍ دَيْنٌ ثُمَّ مَاتَا وَلَمْ يَسْتَوْفِ الذِّمِّيُّ دَيْنَهُ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِ الْمُسْلِمِ فَتُعْطَى لِلْكَافِرِ أَوْ يُؤْخَذُ مِنْ سَيِّئَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute