«لَا يُؤَذِّنُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ» وَقِيسَ بِالْأَذَانِ الْإِقَامَةُ (وَ) الْكَرَاهَةُ (لِجُنُبٍ أَشَدُّ) مِنْهَا لِلْمُحْدِثِ لِغِلَظِ الْجَنَابَةِ (وَ) هِيَ (فِي إقَامَةٍ) مِنْهُمَا (أَغْلَظُ) مِنْهَا فِي أَذَانِهِمَا لِقُرْبِهَا مِنْ الصَّلَاةِ.
(وَهُمَا) أَيْ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ أَيْ مَجْمُوعُهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِهِ، وَإِنْ اقْتَصَرَ فِي الْأَصْلِ كَغَيْرِهِ عَلَى الْأَذَانِ (أَفْضَلُ مِنْ الْإِمَامَةِ)
ــ
[حاشية الجمل]
أَذَانُهُ لِتَأْدِيَةِ الشَّعَائِرِ كُرِهَ أَنْ يَكُونَ لِمِثْلِهِ فَتَدَبَّرْ انْتَهَتْ، وَأَمَّا غَيْرُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَذْكَارِ فَلَا يُكْرَهُ لِلْمُحْدِثِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْأَذْكَارِ لَا يُكْرَهُ لَهُ فَبَقِيَّةُ الْأَذْكَارِ أَوْلَى وَفِي فَتَاوَى السُّيُوطِيّ فِي بَابِ الْأَذَانِ وَلَا يُكْرَهُ الذِّكْرُ لِلْمُحْدِثِ بَلْ وَلَا لِلْجُنُبِ اهـ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إجَابَةُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لِلْمُؤَذِّنِ اهـ سم عَلَى حَجّ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: أَيْضًا وَمُحْدِثٌ) أَيْ وَإِنْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَإِنْ عَلَّلْنَا بِأَنَّهُ دَاعٍ إلَى الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ دَاعٍ وَلَوْ لِنَفْسِهِ اهـ سم.
(قَوْلُهُ: لِغِلَظِ الْجَنَابَةِ) أَيْ وَلِأَنَّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْجُنُبُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّلَاةِ فَوْقَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُحْدِثُ وَيَكْفِي أَذَانُ الْجُنُبِ بِمَسْجِدٍ وَمَعَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لِمَعْنًى خَارِجٍ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: لِقُرْبِهَا مِنْ الصَّلَاةِ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّ إقَامَةَ الْمُحْدِثِ أَغْلَظُ مِنْ أَذَانِ الْجُنُبِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ حَيْثُ قَالَ بِتَسَاوِيهِمَا اهـ ح ل وع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: أَيْ مَجْمُوعُهُمَا إلَخْ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْأَذَانَ وَحْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِمَامَةِ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَذَانَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِمَامَةِ، وَإِنْ انْضَمَّ إلَيْهَا الْإِقَامَةُ سَوَاءٌ قَامَ الْإِمَامُ بِحُقُوقِ الْإِمَامَةِ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ انْضَمَّ إلَى الْأَذَانِ الْإِقَامَةُ أَوْ لَا خِلَافًا لِلْمُصَنِّفِ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ، وَإِنَّمَا وَاظَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ عَلَى الْإِمَامَةِ وَلَمْ يُؤَذِّنُوا لِاشْتِغَالِهِمْ بِمُهِمَّاتِ الدِّينِ الَّتِي لَا يَقُومُ غَيْرُهُمْ فِيهَا مَقَامَهُمْ وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْلَا الْخِلَافَةُ لَأَذَّنْت، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ أَفْضَلَ مَعَ كَوْنِهِ سُنَّةً وَالْجَمَاعَةُ فَرْضُ كِفَايَةٍ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ قَدْ تَفْضُلُ الْفَرْضَ كَرَدِّ السَّلَامِ مَعَ ابْتِدَائِهِ وَابَرَاءِ الْمُعْسِرِ، وَإِنْظَارِهِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ سُنَّةٌ وَالثَّانِيَ فَرْضٌ عَلَى أَنَّ مَرْجُوحِيَّةَ الْإِمَامَةِ لَيْسَتْ مِنْ جِهَةِ الْجَمَاعَةِ بَلْ مِنْ جِهَةِ خُصُوصِ كَوْنِهَا مَظِنَّةَ التَّقْصِيرِ وَأَيْضًا فَالْجَمَاعَةُ لَيْسَتْ خَاصَّةً بِالْإِمَامِ؛ لِأَنَّهَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ إمَامَةَ الْجُمُعَةِ فَالْأَذَانُ أَفْضَلُ مِنْهَا أَيْضًا وَيَظْهَرُ أَنَّ إمَامَتَهَا أَفْضَلُ مِنْ خُطْبَتِهَا وَيَلْزَمُ مِنْهُ تَفْضِيلُ الْأَذَانِ عَلَى إمَامَتِهَا تَفْضِيلُهُ عَلَى خُطْبَتِهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَيُسَنُّ لِلْمُتَأَهِّلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَأَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ مُتَطَوِّعًا بِهِ، فَإِنْ أَبَى رَزَقَهُ الْإِمَامُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْزُقَ مُؤَذِّنًا وَهُوَ يَجِدُ مُتَبَرِّعًا، فَإِنْ تَطَوَّعَ بِهِ فَاسِقٌ وَثَمَّ أَمِينٌ أَوْ أَمِينٌ وَثَمَّ أَمِينٌ أَحْسَنُ صَوْتًا مِنْهُ وَأَبَى الْأَمِينُ فِي الْأُولَى وَالْأَحْسَنُ صَوْتًا فِي الثَّانِيَةِ إلَّا بِالرِّزْقِ رَزَقَهُ الْإِمَامُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ عِنْدَ حَاجَتِهِ بِقَدْرِهَا أَوْ مِنْ مَالِهِ مَا شَاءَ.
وَيَجُوزُ لِلْوَاحِدِ مِنْ الرَّعِيَّةِ أَنْ يَرْزُقَهُ مِنْ مَالِهِ وَأَذَانُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَهَمُّ مِنْ غَيْرِهِ أَيْ فَيَزِيدُ ثَوَابُهُ عَلَى ثَوَابِ غَيْرِهِ وَلِكُلٍّ مِنْ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ وَالْأُجْرَةُ عَلَى جَمِيعِهِ وَيَكْفِي الْإِمَامُ لَا غَيْرُهُ إنْ اسْتَأْجَرَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَنْ يَقُولَ: اسْتَأْجَرْتُك كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا فَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْمُدَّةِ كَالْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ مِنْ مَالِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا عَلَى الْأَصْلِ فِي الْإِجَارَةِ وَتَدْخُلُ الْإِقَامَةُ فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْأَذَانِ ضِمْنًا فَيَبْطُلُ إفْرَادُهَا بِإِجَارَةٍ إذْ لَا كُلْفَةَ فِيهَا وَفِي الْأَذَانِ كُلْفَةٌ لِرِعَايَةِ الْوَقْتِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ بِصَافِيَةٍ عَنْ الْإِشْكَالِ وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَذَانِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَذَانَ فِيهِ مَشَقَّةُ الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ وَمُرَاعَاةُ الْوَقْتِ وَالِاجْتِهَادِ فِيهِ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ. الثَّانِي أَنَّ الْأَذَانَ يَرْجِعُ لِلْمُؤَذِّنِ وَالْإِقَامَةُ لَا تَرْجِعُ لِلْمُقِيمِ بَلْ تَتَعَلَّقُ بِنَظَرِ الْإِمَامِ أَيْ إمَامِ الْمَسْجِدِ بَلْ فِي صِحَّتِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ خِلَافٌ وَشَرْطُ الْإِجَارَةِ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مُفَوَّضًا لِلْأَجِيرِ وَلَا يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِيهِ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي الْإِتْيَانِ بِالْإِقَامَةِ لِتَعَلُّقِ أَمْرِهَا بِالْإِمَامِ فَكَيْفَ يَسْتَأْجِرُ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يُفَوَّضْ إلَيْهِ وَكَيْفَ تَصِحُّ إجَارَةُ عَيْنٍ عَلَى أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فِعْلِهِ بِنَفْسِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ وَأَنْ لَا يَكْتَفِيَ أَهْلُ الْمَسَاجِدِ الْمُتَقَارِبَةِ بِأَذَانِ بَعْضِهِمْ بَلْ يُؤَذِّنُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَيُكْرَهُ خُرُوجُ الْمُؤَذِّنِ وَغَيْرِهِ بَعْدَ الْأَذَانِ مِنْ مَحَلِّ الْجَمَاعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ إلَّا لِعُذْرٍ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ وَقْتَ الْأَذَانِ مَنُوطٌ بِنَظَرِ الْمُؤَذِّنِ وَوَقْتَ الْإِقَامَةِ مَنُوطٌ بِنَظَرِ الْإِمَامِ لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُؤَذِّنُ أَمْلَكُ بِالْأَذَانِ وَالْإِمَامُ أَمْلَكُ بِالْإِقَامَةِ» وَلِأَنَّهُ لِبَيَانِ الْوَقْتِ فَيَتَعَلَّقُ بِنَظَرِ الْمُرَاصِدِ لَهُ وَهُوَ الْمُؤَذِّنُ وَهِيَ لِلْقِيَامِ إلَى الصَّلَاة فَلَا تُقَامُ إلَّا بِإِشَارَتِهِ أَيْ الْإِمَامِ، فَإِنْ أُقِيمَتْ بِغَيْرِ إشَارَتِهِ أَجْزَأَتْ وَلَا إثْمَ عَلَى الْفَاعِلِ وَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ لِغَيْرِهِ أَيْ لِغَيْرِ نَفْسِهِ بِالْعَجَمِيَّةِ وَهُنَاكَ مَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ثَمَّ مَنْ لَا يُحْسِنُهَا، وَإِنْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ وَهُوَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ صَحَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute