وَمَحَالُّهَا مَعْرُوفَةٌ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ «عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فِي الْقُرْآنِ» مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي الْمُفَصَّلِ وَفِي الْحَجِّ سَجْدَتَانِ وَالسَّجْدَةُ الْبَاقِيَةُ مِنْهُ سَجْدَةُ ص الْمَذْكُورَةُ بِقَوْلِي (لَيْسَ مِنْهَا سَجْدَةُ ص بَلْ هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ) لِخَبَرِ النَّسَائِيّ «سَجَدَهَا دَاوُد تَوْبَةً وَنَسْجُدُهَا شُكْرًا» أَيْ: عَلَى قَبُولِ تَوْبَتِهِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ
ــ
[حاشية الجمل]
كَلًّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لَهَا مَعَ أَنَّ فِيهَا أَمْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ.
(قَوْلُهُ وَمَحَالُّهَا مَعْرُوفَةٌ) نَعَمْ الْأَصَحُّ أَنَّ آخِرَ آيَتِهَا فِي النَّحْلِ " يُؤْمَرُونَ " وَفِي النَّمْلِ " الْعَظِيمِ " وَفِي فُصِّلَتْ " يَسْأَمُونَ " وَفِي الِانْشِقَاقِ " يَسْجُدُونَ " اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ " يُؤْمَرُونَ " وَقِيلَ " يَسْتَكْبِرُونَ " وَفِي النَّمْلِ " تُعْلِنُونَ " وَانْتَصَرَ لَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَرَدَّ قَوْلَ الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ بَاطِلٌ وَفِي ص " وَأَنَابَ " وَقِيلَ " مَآبٌ " وَفِي فُصِّلَتْ " يَسْأَمُونَ " وَقِيلَ " تَعْبُدُونَ " وَفِي الِانْشِقَاقِ آخِرُهَا اهـ حَجّ أَقُولُ وَالْأَوْلَى لَهُ فِي الِانْشِقَاقِ تَأْخِيرُ السُّجُودِ إلَى آخِرِهَا خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ.
وَسُئِلَ السُّيُوطِيّ هَلْ تُسْتَحَبُّ عِنْدَ كُلِّ مَحَلِّ سَجْدَةٍ عَمَلًا بِالْقَوْلَيْنِ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ لَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْلٍ فِي الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ آتٍ بِسَجْدَةٍ لَمْ تُشْرَعْ وَالتَّقَرُّبُ بِسَجْدَةٍ لَمْ تُشْرَعْ لَا يَجُوزُ بَلْ يَسْجُدُ مَرَّةً وَاحِدَةً عِنْدَ الْمَحَلِّ الثَّانِي وَتُجْزِئُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَمَّا الْقَائِلُ بِأَنَّهُ مَحَلُّهَا فَوَاضِحٌ وَأَمَّا الْقَائِلُ بِأَنَّ مَحَلَّهَا الْآيَةُ قَبْلَهَا فَقِرَاءَةُ آيَةٍ لَا تُطِيلُ الْفَصْلَ وَالسُّجُودُ عَلَى قُرْبِ الْفَصْلِ مُجْزِئٌ اهـ أَقُولُ إذَا سَجَدَ عَقِبَ انْتِهَاءِ الْمَحَلِّ الْأَوَّلِ صَحَّ السُّجُودُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ وَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْقَائِلِ بِالْمَحَلِّ الثَّانِي فَلَوْ قَرَأَ بَعْدَ السُّجُودِ إلَى الْمَحَلِّ الثَّانِي وَأَرَادَ السُّجُودَ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ فَهَلْ يَصِحُّ السُّجُودُ وَلَا يُعَدُّ السُّجُودُ الْأَوَّلُ فَاصِلًا مَانِعًا أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ.
وَسُئِلَ أَيْضًا عَمَّا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ إنَّهُ إنَّمَا يُسَنُّ السُّجُودُ إذَا قَرَأَ أَوْ سَمِعَ الْآيَةَ كَامِلَةً فَإِنْ قَرَأَ أَوْ سَمِعَ بَعْضَهَا لَمْ يُسَنَّ لَهُ، وَقَدْ جَزَمَ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ عَدُّوا الْآيَاتِ بِأَنَّ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّمْلِ {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: ٢٦] آيَةٌ وَكَذَا قَوْلُهُ فِي حم {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا} [فصلت: ٣٨] إلَى {يَسْأَمُونَ} [فصلت: ٣٨] آيَةٌ فَهَلْ إذَا قَرَأَ كُلًّا مِنْ هَاتَيْنِ يُسَنُّ لَهُ السُّجُودُ أَوْ لَا؟ حَتَّى يَضُمَّ إلَيْهِمَا مَا قَبْلَهُمَا وَهُوَ قَوْلُهُ {أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ} [النمل: ٢٥] إلَى قَوْلِهِ {وَمَا يُعْلِنُونَ} [البقرة: ٧٧] وَقَوْلُهُ {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ} [فصلت: ٣٧] إلَى قَوْلِهِ يَعْبُدُونَ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ نَعَمْ يُسَنُّ لَهُ السُّجُودُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ضَمِّ مَا قَبْلَهُ اهـ، وَقَدْ يُسْتَغْرَبُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاجَعَ فَإِنَّهُ يَتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ وَأَوْرَدْته عَلَى م ر فَتَوَقَّفَ وَنَازَعَ فِيهِ وَيَكَادُ يُصَرِّحُ بِخِلَافِهِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْخِلَافِ فِي آخِرِ آيَاتِهَا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مَثَلًا الِاخْتِلَافُ فِي أَنَّ آخِرَ آيَةِ النَّمْلِ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَوْ يُعْلِنُونَ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا أَنَّ اللَّهَ لَا إلَهَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَيْسَ هُوَ آيَةُ السَّجْدَةِ وَحْدَهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ الِاخْتِلَافُ فِي آخِرِ آيَةِ السَّجْدَةِ بَلْ فِي نَفْسِهَا اهـ سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ ابْنُ الْعَاصِ) يَجُوزُ فِيهِ إثْبَاتُ الْيَاءِ وَحَذْفُهَا وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ اهـ قَسْطَلَّانِيٌّ عَلَى الْبُخَارِيِّ.
(قَوْلُهُ أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ) أَيْ ذَكَرَ لِي أَوْ أَخْبَرَنِي اهـ بِرْمَاوِيٌّ أَوْ عَلَّمَنِي اهـ.
(قَوْلُهُ لَيْسَ مِنْهَا ص) يَجُوزُ قِرَاءَةُ ص بِالْإِسْكَانِ وَبِالْفَتْحِ وَبِالْكَسْرِ بِلَا تَنْوِينٍ وَبِهِ مَعَ التَّنْوِينِ وَإِذَا كَتَبْت فِي الْمُصْحَفِ كَتَبْت حَرْفًا وَاحِدًا، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكْتُبُهَا بِاعْتِبَارِ اسْمِهَا ثَلَاثَةَ أَحْرُفُ اهـ عَبْدُ الْحَقِّ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَقَوْلُهُ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكْتُبُهَا إلَخْ أَيْ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْتُبُهَا حَرْفًا وَاحِدًا وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ الْبَاقِيَةُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ أَيْ: الْبَاقِيَةُ بَعْدَ الْأَرْبَعَ عَشْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ عَدُّهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ وَالْخَمْسَ عَشْرَةَ هِيَ الْأَرْبَعَ عَشْرَةَ الْمُتَقَدِّمَةُ وَالْخَامِسَةَ عَشْرَ سَجْدَةٌ ص.
(قَوْله بَلْ هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ) وَمَعَ ذَلِكَ لَا تُطْلَبُ إلَّا عِنْدَ قِرَاءَةِ الْآيَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ تُسَنُّ عِنْدَ تِلَاوَتِهَا اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ سَجَدَهَا دَاوُد) أَيْ: النَّبِيُّ وَهُوَ أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُد بْنُ إيشا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَكَانَ أَحْمَرَ الْوَجْهِ سَبْطَ الرَّأْسِ أَبْيَضَ الْجِسْمِ طَوِيلَ اللِّحْيَةِ حَسَنَ الصَّوْتِ طَاهِرَ الْقَلْبِ عَاشَ مِنْ الْعُمْرِ مِائَةَ سَنَةٍ مُدَّةَ مِلْكِهِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ سَنَةً وَدُفِنَ خَارِجَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَقِيلَ إنَّ عُمْرَهُ الْمُحَتَّمَ كَانَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَلَمَّا رَآهُ آدَم أَعْجَبَهُ فَوَهَبَ لَهُ مِنْ عُمْرِهِ سِتِّينَ سَنَةً فَلَمَّا جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ قَالَ: إنِّي رَجَعْت فِيمَا وَهَبْته لِدَاوُدَ فَقَالَ مَلَكُ الْمَوْتِ يَا رَبِّ إنَّهُ قَدْ رَجَعَ فِيمَا وَهَبَهُ لِدَاوُدَ فَقَالَ دَعْهُ فَإِنِّي قَدْ وَهَبْته سِتِّينَ سَنَةً بَدَلَهَا اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ أَيْ: عَلَى قَبُولِ تَوْبَتِهِ) أَيْ: مِنْ خِلَافِ الْأُولَى الَّذِي ارْتَكَبَهُ مِمَّا لَا يَلِيقُ بِكَمَالِ شَأْنِهِ لِوُجُوبِ عِصْمَتِهِ كَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ وَصْمَةِ الذَّنْبِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا خَصَّ دَاوُد بِذَلِكَ مَعَ وُقُوعِ نَظِيرِهِ لِآدَمَ وَأَيُّوبَ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْكِ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَقِيَ مَا ارْتَكَبَهُ مِنْ الْحُزْنِ وَالْبُكَاءِ حَتَّى نَبَتَ مِنْ دُمُوعِهِ الْعُشْبُ وَالْقَلَقُ الْمُزْعِجُ مَا لَقِيَهُ فَجُوزِيَ بِأَمْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِمَعْرِفَةِ قَدْرِهِ وَعَلَى قُرْبِهِ وَأَنَّهُ أَنْعَمَ عَلَيْهِ نِعْمَةً تَسْتَوْجِبُ دَوَامَ الشُّكْرِ مَعَ الْعَالَمِ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْكِ عَنْ غَيْرِهِ إلَخْ أَيْ: