للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية الجمل]

كَأَنْ تَمَيَّزَ الْعُلَمَاءُ بِشِعَارٍ يُخَالِفُ ذَلِكَ فَلَبِسَهُ لِيُعْرَفَ فَيُسْأَلَ أَوْ لِيُمْتَثَلَ كَلَامُهُ بَلْ لَوْ تَوَقَّفَ إزَالَةُ مُحَرَّمٍ أَوْ فِعْلِ وَاجِبٍ عَلَى ذَلِكَ وَجَبَ وَأَطْلَقُوا أَنَّ تَوْسِعَةَ الْأَكْمَامِ بِدْعَةٌ وَمَحَلُّهُ فِي الْفَاحِشَةِ وَيَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ لُبْسُ ضَيِّقِ الْكُمَّيْنِ حَضَرًا وَسَفَرًا لِلِاتِّبَاعِ وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالْغَزْوِ وَمَمْنُوعٌ نَعَمْ إنْ أُرِيدَ أَنَّهُ فِيهِ سُنَّةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَبْعُدْ وَتُسَنُّ الْعِمَامَةُ لِلصَّلَاةِ وَلِقَصْدِ التَّجَمُّلِ لِلْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ فِيهَا وَاشْتِدَادُ ضَعْفِ كَثِيرٍ مِنْهَا يَجْبُرُهُ كَثْرَةُ طُرُقِهَا وَزَعْمِ وَضْعٍ كَثِيرٍ مِنْهَا تَسَاهُلٌ كَمَا هُوَ عَادَةُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ هَذَا وَالْحَاكِمُ فِي التَّصْحِيحِ. أَلَا تَرَى إلَى حَدِيثِ «اعْتَمُّوا تَزْدَادُوا حِلْمًا» حَيْثُ حَكَمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِوَضْعِهِ وَالْحَاكِمُ بِصِحَّتِهِ اسْتِرْوَاحًا مِنْهُمَا عَلَى عَادَتِهِمْ وَتَحْصُلُ السُّنَّةُ بِكَوْنِهَا عَلَى الرَّأْسِ أَوْ نَحْوِ قَلَنْسُوَةٍ تَحْتَهَا وَفِي حَدِيثٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ كِبَرِهَا لَكِنَّهُ شَدِيدُ الضَّعْفِ وَهُوَ وَحْدَهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَلَا فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَيَنْبَغِي ضَبْطُ طُولِهَا وَعَرْضِهَا بِمَا لَا يَلِيقُ بِلَابِسِهَا عَادَةً فِي زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ فَإِنْ زَادَ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ كُرِهَ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُهُمْ كَرَاهَةَ كِبَرِهَا وَتَقْيِيدَ كَيْفِيَّتِهَا بِعَادَتِهِ أَيْضًا وَمِنْ ثَمَّ انْخَرَمَتْ مُرُوءَةُ فَقِيهٍ يَلْبَسُ عِمَامَةَ سُوقِيٍّ لَا تَلِيقُ بِهِ وَعَكْسُهُ وَسَيَأْتِي أَنَّ خَرْمَهَا مَكْرُوهٌ بَلْ حَرَامٌ عَلَى مَنْ تَحَمَّلَ شَهَادَةً لِأَنَّ فِيهِ حِينَئِذٍ إبْطَالًا لِحَقِّ الْغَيْرِ وَلَوْ اطَّرَدَتْ عَادَةُ مَحَلٍّ بِتَرْكِهَا مِنْ أَصْلِهَا لَمْ تَنْخَرِمْ لَهَا الْمُرُوءَةُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ وَيَأْتِي فِي الطَّيْلَسَانِ خِلَافُ ذَلِكَ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ نَدْبَهَا فِي أَصْلِ وَضْعِهَا عَامٌّ فَلَمْ يُنْظَرْ لِعُرْفٍ يُخَالِفُهُ بِخِلَافِهِ فَإِنَّ أَصْلَ وَضْعِهِ لِلرُّؤَسَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَفِي حَدِيثَيْنِ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ نَدْبِهَا مِنْ أَصْلِهَا لَكِنْ قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ لَا أَصْلَ لَهُمَا وَالْأَفْضَلُ فِي لَوْنِهَا الْبَيَاضُ وَصِحَّةُ لُبْسِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ وَنُزُولُ أَكْثَرِ الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ بِعَمَائِمَ صُفْرٍ وَقَائِعُ مُحْتَمَلَةٌ فَلَا تُنَافِي عُمُومَ الْخَبَرِ الصَّحِيحِ الْآمِرِ بِلُبْسِ الْبَيَاضِ وَإِنَّهُ خَيْرُ الْأَلْوَانِ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ.

وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْقَلَنْسُوَةِ اللَّاطِئَةِ بِالرَّأْسِ وَالْمُرْتَفِعَةِ الْمُضْرِبَةِ وَغَيْرِهَا تَحْتَ الْعِمَامَةِ وَبِلَا عِمَامَةٍ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ جَاءَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِقَوْلِ الرَّاوِي وَبِلَا عِمَامَةٍ قَدْ يَتَأَيَّدُ بَعْضُ مَا اعْتَادَهُ بَعْضُ النَّوَاحِي مِنْ تَرْكِ الْعِمَامَةِ مِنْ أَصْلِهَا وَتَمْيِيزِ عُلَمَائِهِمْ بِطَيْلَسَانٍ عَلَى قَلَنْسُوَةٍ بَيْضَاءَ لَاصِقَةٍ بِالرَّأْسِ لَكِنْ بِتَسْلِيمِ ذَلِكَ الْأَفْضَلُ مَا عَلَيْهِ مَا عَدَا هَؤُلَاءِ مِنْ النَّاسِ مَنْ لَبِسَ الْعِمَامَةَ لِعَذَبَتِهَا وَرِعَايَةَ قَدْرِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا السَّابِقَيْنِ وَلَا يُسَنُّ تَحْنِيكُ الْعِمَامَةِ عِنْدَنَا وَاخْتَارَ بَعْضُ حُفَّاظٍ هُنَا مَا عَلَيْهِ كَثِيرُونَ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُسَنُّ وَهُوَ تَحْدِيقُ الرَّقَبَةِ وَمَا تَحْتَ الْحَنَكِ وَاللِّحْيَةِ بِبَعْضِ الْعِمَامَةِ وَقَدْ أَجَبْت فِي الْأَصْلِ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أُولَئِكَ وَأَطَالُوا فِيهِ وَجَاءَ فِي الْعَذَبَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا صَحِيحٌ وَمِنْهَا حَسَنٌ نَاصَّةٌ عَلَى فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا لِنَفْسِهِ وَلِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَعَلَى أَمْرِهِ بِهَا وَلِأَجْلِ هَذَا تَعَيَّنَ تَأْوِيلُ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَمَنْ تَعَمَّمَ فَلَهُ فِعْلُ الْعَذْبَةِ وَتَرْكُهَا وَلَا كَرَاهَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَادَ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِي النَّهْيِ عَنْ الْعَذَبَةِ شَيْءٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِلَهُ فِعْلُ الْعَذَبَةِ الْجَوَازُ الشَّامِلُ لِلنَّدْبِ وَتَرْكُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا أَوْ عَدَمِ تَأَكُّدِ نَدْبِهَا وَقَدْ اسْتَدَلُّوا بِكَوْنِهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَهَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ تَارَةً وَإِلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أُخْرَى» عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سُنَّةٌ.

وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُمْ بِأَنَّ أَصْلَهَا سُنَّةٌ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي إرْسَالِهَا إذَا أُخِذَتْ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ فَأَوْلَى أَنْ تُؤْخَذَ سُنِّيَّةُ أَصْلِهَا مِنْ فِعْلِهِ لَهَا وَأَمْرُهُ بِهَا مُتَكَرِّرٌ ثُمَّ إرْسَالُهَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ أَفْضَلُ مِنْهُ عَلَى الْأَيْمَنِ لِأَنَّ حَدِيثَ الْأَوَّلِ أَصَحُّ وَأَمَّا إرْسَالُ الصُّوفِيَّةِ لَهَا عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ لِكَوْنِهِ جَانِبَ الْقَلْبِ فَتَذَكَّرَ تَفْرِيغَهُ مِمَّا سِوَى رَبِّهِ فَهُوَ شَيْءٌ اسْتَحْسَنُوهُ وَالظَّنُّ بِهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغْهُمْ فِي ذَلِكَ سُنَّةٌ فَكَانُوا مَعْذُورِينَ وَأَمَّا بَعْدَ أَنْ بَلَغَتْهُمْ السُّنَّةُ فَلَا عُذْرَ لَهُمْ فِي مُخَالَفَتِهَا وَكَانَ حِكْمَةُ نَدْبِهَا مَا فِيهَا مِنْ الْجَمَالِ وَتَحْسِينِ الْهَيْئَةِ وَأَبْدَى بَعْضُ مُجَسَّمِي الْحَنَابِلَةِ لِجَعْلِهَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ حِكْمَةً تَلِيقُ بِمُعْتَقَدِهِ الْبَاطِلِ فَاحْذَرْهُ وَوَقَعَ لِصَاحِبِ الْقَامُوسِ هُنَا مَا رَدُّوهُ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ لَمْ يُفَارِقْهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ كَانَ يَتْرُكُهَا أَحْيَانًا وَكَقَوْلِهِ طَوِيلَةً فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ فِيهَا طُولًا نِسْبِيًّا حَتَّى أُرْسِلَتْ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ فَوَاضِحٌ أَوْ أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ أَقَلُّ مَا وَرَدَ فِي طُولِهَا أَرْبَعُ أَصَابِعَ وَأَكْثَرُ مَا وَرَدَ ذِرَاعٌ وَبَيْنَهُمَا شِبْرٌ اهـ. وَمَرَّ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ حُرْمَةُ إفْحَاشِ طُولِهَا بِقَصْدِ الْخُيَلَاءِ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ كُرِهَ وَذِكْرُهُمْ الْإِفْحَاشَ بَلْ وَالطُّولَ بَلْ وَهِيَ مِنْ أَصْلِهَا تَمْثِيلٌ لِمَا هُوَ مَعْلُومٌ أَنَّ سَبَبَ الْإِثْمِ إنَّمَا هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>