للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَيِّتَةِ طَلْقًا وَالْمَقْتُولِ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ ظُلْمًا فَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ مَاتَ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ.

(وَيَجِبُ غَسْلُ نَجَسٍ) أَصَابَهُ (غَيْرُ دَمِ شَهَادَةٍ) وَإِنْ أَصَابَهُ ذَلِكَ إلَى زَوَالِ دَمِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَثَرِ عِبَادَةٍ بِخِلَافِ دَمِهَا فَتَحْرُمُ إزَالَتُهُ لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ عَنْ غُسْلِ الشَّهِيدِ.

ــ

[حاشية الجمل]

دَفْعِ أَعْظَمِ الْمُفْسِدَتَيْنِ بِارْتِكَابِ أَدْوَنِهِمَا وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ أَنْ يُدْرَأَ أَعْظَمَ الْمُفْسِدَتَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَيْسَرِهِمَا إذَا تَعَيَّنَ وُقُوعُ أَحَدِهِمَا بِدَلِيلِ حَدِيثِ بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ فِي الْمَسْجِدِ لَمَّا نَهَاهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ زَجْرِهِ وَيَجِب عَلَيْهَا تَمْكِينُهُ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَا الْأَمْرَدُ وَمَا أَجَابَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ

يَا أَيُّهَا الْعَالِمُ مَاذَا تَرَى ... فِي عَاشِقٍ ذَابَ مِنْ الْوَجْدِ

مِنْ حُبِّ ظَبْيٍ أَهْيَفَ أَغْيَدْ ... سَهْلِ الْمُحَيَّا حَسَنِ الْقَدِّ

فَهَلْ تَرَى تَقْبِيلَهُ جَائِزًا ... فِي النَّحْرِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالْخَدِّ

مِنْ غَيْرِ مَا فُحْشٍ وَلَا رِيبَةٍ ... بَلْ بِعِنَاقٍ جَائِزِ الْحَدِّ

إنْ أَنْتَ لَمْ تُفْتِ فَإِنِّي إذًا ... أَصِيح مِنْ وَجْدِي وَأَسْتَفْدِي

حِينَ قَالَ:

أَيُّهَا السَّائِلُ إنِّي أَرَى ... تَقْبِيلَك الْمَعْشُوقَ فِي الْخَدِّ

يُفْضِي إلَى مَا بَعْدَهُ فَاجْتَنِبْ ... قُبْلَةً بِالْجِدِّ وَالْجُهْدِ

فَإِنَّ مَنْ يَرْتَعُ حَوْلَ الْحِمَى ... لَا بُدَّ أَنْ يَجْنِيَ مِنْ الْوَرْدِ

يُغْنِيك عَنْهُ كَاعِبٌ نَاهِدٌ ... تُحْضَرُ بِالْمِلْكِ وَبِالْعَقْدِ

تَنَالُ مِنْهَا كُلَّمَا تَشْتَهِي ... مِنْ غَيْرِ مَا فُحْشٍ وَلَا صَدِّ

هَذَا جَوَابِي لِقَتِيلِ الْهَوَى ... فَلَا تَكُ فِي ذَلِكَ تَسْتَعْدِي

مَرْدُودٌ بِمَا أَجَابَ بِهِ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ

مَاذَا يَقُولُ إمَامُ الْعَصْرِ فِي دَنَفٍ ... أَضْحَى قَتِيلَ الْهَوَى مِنْ أَسْهُمِ الْمُقَلِ

فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ إحْيَاءُ مُهْجَتِهِ ... مِنْ ثَغْرِ مَحْبُوبِهِ بِالرَّشْقِ وَالْقُبَلِ

وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ يَوْمًا يُعَانِقُهُ ... وَيَتْبَعُ الْقَلْبَ فِي قَوْلٍ وَفِي عَمَلِ

فَهَذِهِ قِصَّتِي فِي شَرْحِهَا عَجَبٌ ... فَاسْمَحْ بِرَدِّ جَوَابٍ يَا مُنَى أَمَلِي

حَيْثُ قَالَ:

إنْ صَحَّ دَعْوَاهُ فِي إتْلَافِ مُهْجَتِهِ ... وَأَنَّ رَشْفَ اللَّمَا يَشْفِي مِنْ الْعِلَلِ

فَلْيَرْشِفَن رُضَابَ الثَّغْرِ مُحْتَسِبًا ... وَلْيَقْطِفَنَّ بِفِيهِ وَرْدَةَ الْخَجَلِ

فَذَاكَ فِي مِلَّةِ الْإِسْلَامِ أَيْسَرُ مِنْ ... قَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَاللَّهِ فِي الْأَزَلِ

(فَائِدَةٌ) الْعِشْقُ مَصْدَرٌ يُقَالُ رَجُلٌ عَاشِقٌ وَعُشَّاقٌ وَعَشِيقٌ كَثِيرُ الْعِشْقِ وَامْرَأَةٌ عَاشِقٌ وَعَاشِقَةٌ مَأْخُوذٌ مِنْ اسْمِ نَبَاتٍ يُسَمَّى بِذَلِكَ وَاحِدَتُهُ عَشَقَةٌ إذَا قُطِعَ ذَبَلَ وَاصْفَرَّ وَقِيلَ فِي حَدِّهِ أَنَّهُ تَخَيُّلٌ فَاسِدٌ فِي أَنَّ أَوْصَافَ الْمَعْشُوقِ فَوْقَ مَا هِيَ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي اللَّهِ تَعَالَى عَاشِقٌ وَلَا مَعْشُوقٌ بَلْ يُعَزَّرُ قَائِلُهُ وَقِيلَ طَبْعٌ فِي الْقَلْبِ يَنْمُو بِالْحِرْصِ وَالطَّمَعِ فَيُؤَدِّي إلَى الْفِكْرِ الْفَاسِدِ الْمُؤَدِّي إلَى الْهَمِّ وَالْقَلَقِ الْمُوجِبِ لِاحْتِرَاقِ الدَّمِ فَيَنْشَأُ عَنْهُ السَّوْدَاءُ وَالْجُنُونُ وَلِذَلِكَ رُبَّمَا قَتَلَ الْعَاشِقُ نَفْسَهُ أَوْ مَاتَ غَمًّا وَرُبَّمَا يَتَنَفَّسُ الصُّعَدَاءَ فَتَخْفِقُ نَفْسُهُ بِنَارِ قَلْبِهِ فَيَمُوتُ وَرُبَّمَا يَمُوتُ فَرَحًا بِرُؤْيَةِ مَعْشُوقِهِ أَوْ يَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ وَيُهْرِيقُ دَمَهُ بِذِكْرِهِ وَقِيلَ عَمِيَ الْعَاشِقُ عَنْ عُيُوبِ الْمَعْشُوقِ وَمِنْهُ حَدِيثُ «حُبُّك لِلشَّيْءِ يُعْمِي وَيُصِمُّ» وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ وَالْمَيِّتَةُ طَلْقًا) أَيْ، وَلَوْ مِنْ حَمْلِ زِنًا اهـ. شَرْحُ م ر مَا لَمْ تَتَسَبَّبْ فِي الْإِجْهَاضِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ ظُلْمًا) أَيْ، وَلَوْ بِالْهَيْئَةِ كَمَنْ اسْتَحَقَّ الْقَتْلَ بِقَطْعِ الرَّأْسِ فَقُتِلَ بِالتَّوْسِيطِ مَثَلًا وَمِنْ هَذَا الْقِسْمُ مَنْ مَاتَ بِهَدْمٍ أَوْ فِي غُرْبَةٍ وَإِنْ عَصَى بِغُرْبَتِهِ كَآبِقٍ وَنَاشِزَةٍ أَوْ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ.

(فَائِدَةٌ)

كُلُّ ذَنْبٍ تُكَفِّرُهُ الشَّهَادَةُ إلَّا الدَّيْنَ أَيْ دَيْنَ الْآدَمِيِّ الْأَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَذْفًا أَوْ غِيبَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَيَجِبُ غَسْلُ نَجَسٍ إلَخْ) عِبَارَةُ الْعُبَابِ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا إزَالَةُ دَمِ الشَّهِيدِ بِلَا غَسْلٍ بَلْ يَحُكُّهُ بِنَحْوِ عُودٍ وَلَا تَحْرُمُ إزَالَةُ دَمِ الشَّهِيدِ بِغَيْرِ الْمَاءِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنْ لَا يُزِيلَ الْأَثَرَ بِخِلَافِ الْمَاءِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ غَسْلُ نَجَسٍ أَصَابَهُ) أَيْ وَإِنْ حَصَلَ بِسَبَبِ الشَّهَادَةِ كَبَوْلٍ خَرَجَ بِسَبَبِ الْقَتْلِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الدَّمِ وَغَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ الْخَارِجَةِ بِسَبَبِ الْقَتْلِ بِأَنَّ نَجَاسَةَ الدَّمِ أَخَفُّ مِنْ غَيْرِهَا بِدَلِيلِ الْعَفْوِ عَنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَارِّ فِيهِ وَبِأَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ بِالْفَضْلِ هُوَ الدَّمُ اهـ.

مِنْ شَرْحِ م ر (قَوْلُهُ بِخِلَافِ دَمِهَا) أَيْ الْخَارِجِ مِنْ الْمَقْتُولِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْحَاصِلِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يُزَالُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ فِي حِكْمَةِ تَسْمِيَتِهِ شَهِيدًا؛ لِأَنَّ لَهُ شَاهِدًا بِقَتْلِهِ، وَهُوَ دَمُهُ؛ لِأَنَّهُ يُبْعَثُ وَجُرْحُهُ يَتَفَجَّرُ دَمًا اهـ. ع ش عَلَى م ر وَقَوْلُهُ تَحْرُمُ إزَالَتُهُ أَيْ بِالْمَاءِ لَا بِغَيْرِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ لَا مِنْ نَفْسِهِ فَلَوْ أَزَالَهُ بِنَفْسِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ لَمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>