(تَجْصِيصُهُ) أَيْ تَبْيِيضُهُ بِالْجِصِّ، وَهُوَ الْجِبْسُ وَقِيلَ الْجِيرُ وَالْمُرَادُ هُنَا هُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا (وَكِتَابَةٌ) عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَتَبَ اسْمَ صَاحِبِهِ أَمْ غَيْرَهُ فِي لَوْحٍ عِنْدَ رَأْسِهِ أَمْ فِي غَيْرِهِ (وَبِنَاءٌ عَلَيْهِ) كَقُبَّةٍ أَوْ بَيْتٍ لِلنَّهْيِ عَنْ الثَّلَاثَةِ رَوَاهُ فِيهَا التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِي الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ مُسْلِمٌ وَخَرَجَ بِتَجْصِيصِهِ تَطْيِينُهُ خِلَافًا لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ.
(وَحَرُمَ) أَيْ الْبِنَاءُ (بِ) مَقْبَرَةٍ (مُسَبَّلَةٍ) بِأَنْ جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ الْبَلَدِ بِالدَّفْنِ فِيهَا
ــ
[حاشية الجمل]
تَجْصِيصُهُ) أَيْ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَقَوْلُهُ وَحَرُمَ أَيْ الْبِنَاءُ أَيْ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَأَيْضًا إنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَقْفُهَا وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَمِنْ ثَمَّ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ بِعِمَارَةِ قُبُورِ الصَّالِحِينَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إحْيَاءِ الزِّيَارَةِ وَالتَّبَرُّكِ اهـ. ح ل وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَرَاهَةِ التَّجْصِيصِ وَحُرْمَةِ الْبِنَاءِ بِالْمُسَبَّلَةِ مَا إذَا خَشِيَ نَبْشَهُ فَيَجُوزُ بِنَاؤُهُ وَتَجْصِيصُهُ حَتَّى لَا يَقْدِرَ النَّبَّاشُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ وَغَيْرُهُ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ خَشِيَ عَلَيْهِ مِنْ نَبْشِ الضَّبُعِ وَنَحْوِهِ أَوْ أَنْ يَخْرِقَهُ السَّيْلُ اهـ. شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ فَيَجُوزُ بِنَاؤُهُ وَتَجْصِيصُهُ يَنْبَغِي، وَلَوْ فِي الْمُسَبَّلَةِ وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنَّ مِنْ ذَلِكَ مَا يُجْعَلُ مِنْ بِنَاءِ الْحِجَارَةِ عَلَى الْقَبْرِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُنْبَشَ قَبْلَ بِلَى الْمَيِّتِ لِدَفْنِ غَيْرِهِ.
وَعِبَارَةُ حَجّ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَقَلُّ الْقَبْرِ حُفْرَةٌ تَمْنَعُ الرَّائِحَةَ وَالسَّبُعُ أَنَّهُ لَوْ اعْتَادَ سِبَاعُ ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْحَفْرَ عَنْ مَوْتَاهُمْ وَجَبَ بِنَاءُ الْقَبْرِ بِحَيْثُ يَمْنَعُ وُصُولَهَا إلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، فَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهَا الْبِنَاءَ كَبَعْضِ النَّوَاحِي وَجَبَ صُنْدُوقٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي اهـ. عِ ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ بِالْجَصِّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا وَقَوْلُهُ وَقِيلَ الْجِيرُ وَيُسَمَّى الْقَصَّةُ بِفَتْحِ الْقَافِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ وَكِتَابَةٌ عَلَيْهِ) نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَضْعُ مَا تُعْرَفُ بِهِ الْقُبُورُ أَنَّهُ لَوْ احْتَاجَ إلَى كِتَابَةِ اسْمِ الْمَيِّتِ لِلزِّيَارَةِ كَانَ مُسْتَحَبًّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ لَا سِيَّمَا قُبُورُ الْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، فَإِنَّهَا لَا تُعْرَفُ إلَّا بِذَلِكَ عِنْدَ تَطَاوُلِ السِّنِينَ وَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ تَحْرِيمُ كِتَابَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْقَبْرِ لِتَعَرُّضِهِ لِلدَّوْسِ عَلَيْهِ وَالنَّجَاسَةِ وَالتَّلْوِيثِ بِصَدِيدِ الْمَوْتَى عِنْدَ تَكَرُّرِ النَّبْشِ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ مَرْدُودٌ بِإِطْلَاقِهِمْ لَا سِيَّمَا وَالْمَحْذُورُ غَيْرُ مُحَقَّقٍ وَيُكْرَهُ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ مِظَلَّةٌ اهـ.
شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ وَبِنَاءٌ عَلَيْهِ) وَلَيْسَ مِنْ الْبِنَاءِ مَا اُعْتِيدَ مِنْ تَوَابِيتِ الْأَوْلِيَاءِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ اسْتَغْرَبَ أَنَّهَا مِثْلَ الْبِنَاءِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ وَهِيَ التَّضْيِيقُ إلَخْ وَمِنْ الْبِنَاءِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ وَضْعِ الْأَحْجَارِ الْمُسَمَّاةِ بِالتَّرْكِيبَةِ، ثُمَّ رَأَيْت حَجّ صَرَّحَ بِحُرْمَةِ ذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ الْحُرْمَةِ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ صَوْنَهُ عَنْ النَّبْشِ لِيُدْفَنَ غَيْرُهُ قَبْلَ بِلَاهُ وَلَا يَجُوزُ زَرْعُ شَيْءٍ فِي الْمُسَبَّلَةِ وَإِنْ تَيَقَّنَ بِلَى مَنْ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِغَيْرِ الدَّفْنِ فَيُقْلَعُ وَقَوْلُ الْمُتَوَلِّي يَجُوزُ بَعْدَ الْبِلَى مَحْمُولٌ عَلَى الْمَمْلُوكَةِ اهـ. حَجّ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ وَحَرُمَ بِمُسَبَّلَةٍ) وَمِنْ الْمُسَبَّلِ قَرَافَةُ مِصْرَ، فَإِنَّ ابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ ذَكَرَ فِي كِتَابِ تَارِيخُ مِصْرَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أَعْطَاهُ الْمُقَوْقَسُ فِيهَا مَالًا جَزِيلًا وَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ يَعْنِي التَّوْرَاةَ أَنَّهَا تُرْبَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَاتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي ذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِ إنِّي لَا أَعْرِفُ تُرْبَةَ الْجَنَّةِ إلَّا لِأَجْسَادِ الْمُؤْمِنِينَ فَاجْعَلُوهَا لِمَوْتَاكُمْ وَقَدْ أَفْتَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِهَدْمِ مَا بُنِيَ فِيهَا وَيَظْهَرُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا عُرِفَ حَالُهُ فِي الْوَضْعِ، فَإِنْ جُهِلَ تُرِكَ حَمْلًا عَلَى وَضْعِهِ بِحَقٍّ كَمَا فِي الْكَنَائِسِ الَّتِي تَقْرَأُ أَهْلُ الذِّمَّةِ عَلَيْهَا فِي بَلَدِنَا وَجَهِلْنَا حَالَهَا وَكَمَا فِي الْبِنَاءِ الْمَوْجُودِ عَلَى حَافَّةِ الْأَنْهَارِ وَالشَّوَارِعِ وَصَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ بِحُرْمَةِ الْبِنَاءِ فِي الْمُسَبَّلَةِ وَمَا جَمَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ حَمْلِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْقَبْرِ خَاصَّةً بِحَيْثُ يَكُونُ الْبِنَاءُ وَاقِعًا فِي حَرِيمِ الْقَبْرِ فَيُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ لِعَدَمِ التَّضْيِيقِ وَالْحُرْمَةُ عَلَى مَا لَوْ بَنَى فِي الْمَقْبَرَةِ بَيْتًا أَوْ قُبَّةً يَسْكُنُ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ بَنَاهُ لِتَأْوِي فِيهِ الزَّائِرُونَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ مَرْدُودٌ وَالْمُعْتَمَدُ الْحُرْمَةُ مُطْلَقًا اهـ. شَرْحُ م ر.
وَفِي سم مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ بِمُسَبَّلَةٍ عِبَارَةُ شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِشَيْخِنَا.
وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ الْبِنَاءِ إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي مُسَبَّلَةٍ وَهِيَ مَا اعْتَادَ أَهْلُ الْبَلَدِ الدَّفْنَ فِيهَا أَوْ فِي مَوْقُوفٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَوْ فِي مَوَاتٍ فَيَحْرُمُ إلَى أَنْ قَالَ وَيُهْدَمُ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَبَّدُ بَعْدَ انْمِحَاقِ الْبَدَنِ وَفِيهِ تَضْيِيقٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِمَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ وَلَا غَرَضَ وَبِهِ فَارَقَ جَوَازَ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَنَحْوِهِ اهـ. وَاعْتَمَدَ م ر أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُسَبَّلَةِ الْمَوْقُوفَةُ وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَا يَحْرُمُ الْبِنَاءُ فِيهِ وَإِنْ جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ الْبَلَدِ بِالدَّفْنِ فِيهِ وَمِنْ بَابِ أَوْلَى الْمَوَاتُ الَّذِي لَمْ يَعْتَدْ أَهْلُ الْبَلَدِ الدَّفْنَ فِيهِ فَالْبِنَاءُ فِيهِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ قَالَ وَعَلَى هَذَا لَا إشْكَالَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هَدْمُ مَا يُوجَدُ مِنْ الْأَبْنِيَةِ بِالْقَرَافَةِ حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ وَضْعُهُ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ سَائِغٍ شَرْعًا؛ لِأَنَّ الْقَرَافَةَ إنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ السَّيِّدَ عُمَرَ وَقَفَهَا لِدَفْنِ الْمُسْلِمِينَ فَوَاضِحٌ وَإِنْ فُرِضَ ثُبُوتُ ذَلِكَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ الْبِنَاءَ مَوْضُوعٌ بِحَقٍّ كَأَنْ سَبَقَ الْوَقْفِيَّةَ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ فَلَا تَشْمَلُهُ قَالَ وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ بُطْلَانُ مَا يَقَعُ فِي أَلْسِنَةِ بَعْضِ النَّاسِ مِنْ أَنَّ أَبْنِيَةَ الْقَرَافَةِ تُهْدَمُ حَتَّى قُبَّةُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اهـ. بِالْمَعْنَى وَأَقُولُ، وَلَوْ قُلْنَا إنَّ الْمُرَادَ بِالْمُسَبَّلَةِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالدَّفْنِ فِيهَا لَمْ يَجُزْ هَدْمُ مَا يُوجَدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute