إحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَدْعُوهُ وَتُخْبِرُهُ أَنَّ ابْنًا لَهَا فِي الْمَوْتِ فَقَالَ لِلرَّسُولِ ارْجِعْ إلَيْهَا فَأَخْبِرْهَا أَنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ» وَتَقْيِيدِي بِنَحْوِ أَهْلِهِ مِنْ زِيَادَتِي وَسُنَّ أَنْ يَعُمَّهُمْ بِهَا حَتَّى الصِّغَارَ وَالنِّسَاءَ إلَّا الشَّابَّةَ فَلَا يُعَزِّيهَا إلَّا مَحَارِمُهَا وَنَحْوُهُمْ (وَ) هِيَ (بَعْدَ دَفْنِهِ أَوْلَى) مِنْهَا قَبْلَهُ لِاشْتِغَالِ أَهْلِ الْمَيِّتِ بِتَجْهِيزِهِ قَبْلَهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ إلَّا أَنْ يَرَى مِنْ أَهْلِهِ جَزَعًا شَدِيدًا فَيَخْتَارَ تَقْدِيمَهَا لِيُصَبِّرَهُمْ وَذِكْرُ الْأَوْلَوِيَّةِ مِنْ زِيَادَتِي (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تَقْرِيبًا) مِنْ الْمَوْتِ الْحَاضِرِ وَمِنْ الْقُدُومِ أَوْ بُلُوغِ الْخَبَرِ لِغَائِبٍ فَتُكْرَهُ التَّعْزِيَةُ بَعْدَهَا إذْ الْغَرَضُ مِنْهَا تَسْكِينُ قَلْبِ الْمُصَابِ وَالْغَالِبُ سُكُونُهُ فِيهَا فَلَا يُجَدِّدُ حُزْنَهُ (فَيُعَزَّى مُسْلِمٌ بِمُسْلِمٍ) بِأَنْ يُقَالَ لَهُ (أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك) أَيْ جَعَلَهُ عَظِيمًا
ــ
[حاشية الجمل]
إنَّمَا يُحْمَدُ الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ أَيْ الرَّزِيَّةِ الْأُولَى وَالْمُرَادُ ابْتِدَاؤُهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَوْلَى فَالْمُرَادُ عِنْدَ أَوَّلِ كُلِّ مُصِيبَةٍ اهـ. شَيْخُنَا (قَوْلُهُ إحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ) هِيَ زَيْنَبُ كَمَا فِي رِوَايَةٍ وَقِيلَ فَاطِمَةُ وَقِيلَ رُقَيَّةُ اهـ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ إنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ إلَخْ) قَدَّمَ ذِكْرَ الْأَخْذِ عَلَى الْإِعْطَاءِ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا فِي الْوَاقِعِ لِمَا يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ وَالْمَعْنَى أَنَّ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَأْخُذَهُ هُوَ الَّذِي كَانَ أَعْطَاهُ، فَإِنْ أَخَذَهُ أَخَذَ مَا هُوَ لَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْإِعْطَاءِ إعْطَاءَ الْحَيَاةِ لِمَنْ بَقِيَ بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ ثَوَابُهُمْ عَلَى الْمُصِيبَةِ أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَمَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَصْدَرِيَّةٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ فَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ لِلَّهِ الْأَخْذُ وَالْإِعْطَاءُ وَعَلَى الثَّانِي لِلَّهِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ وَلَهُ مَا أَعْطَى مِنْهُمْ أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ جُمْلَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الْمُؤَكَّدَةِ وَيَجُوزُ فِي لَفْظِ كُلٍّ النَّصْبُ عَطْفًا عَلَى اسْمِ إنَّ فَيَنْسَحِبُ التَّأْكِيدُ عَلَيْهِ أَيْضًا وَمَعْنَى الْعِنْدِيَّةِ الْعِلْمُ فَهِيَ مِنْ مَجَازِ الْمُلَازَمَةِ وَالْأَجْلُ يُطْلَقُ عَلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ وَعَلَى مَجْمُوعِ الْعُمُرِ وَقَوْلُهُ مُسَمًّى أَيْ مَعْلُومٌ أَوْ مُقَدَّرٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ اهـ فَتْحُ الْبَارِي اهـ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ حَتَّى الصِّغَارِ) أَيْ الَّذِينَ لَهُمْ نَوْعُ تَمْيِيزٍ اهـ. ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ إلَّا الشَّابَّةَ فَلَا يُعَزِّيهَا إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَا يُعَزِّي الشَّابَّةَ إلَّا مَحَارِمُهَا أَوْ زَوْجُهَا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ وَكَذَا مَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ فِي جَوَازِ النَّظَرِ فِيمَا يَظْهَرُ كَعَبْدِهَا أَمَّا تَعْزِيَتُهَا لِلْأَجْنَبِيِّ فَحَرَامٌ قِيَاسًا عَلَى سَلَامِهَا انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ إلَّا مَحَارِمُهَا وَنَحْوُهُمْ) أَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَيُكْرَهُ لَهُ ابْتِدَاؤُهَا بِالتَّعْزِيَةِ وَالرَّدُّ عَلَيْهَا وَيَحْرُمَانِ مِنْهَا اهـ. شَيْخُنَا وَمِثْلُهُ فِي ع ش عَلَى م ر وَعِبَارَتُهُ عَلَى ابْنِ قَاسِمٍ الْغَزِّيِّ وَتَعْزِيَةُ الْأَجْنَبِيِّ لَهَا وَهِيَ كَابْتِدَاءِ السَّلَامِ وَرَدِّهِ فَمِنْهَا حَرَامٌ وَلَهَا مَكْرُوهٌ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ تَقْرِيبًا) فَلَا تَضُرُّ الزِّيَادَةُ بِنَحْوِ نِصْفِ يَوْمٍ مَثَلًا اهـ. ح ل (قَوْلُهُ مِنْ الْمَوْتِ) أَيْ لَا مِنْ الدَّفْنِ هَلْ وَإِنْ تَأَخَّرَ دَفْنُهُ عَنْهَا الْمُعْتَمَدُ نَعَمْ اهـ. ح ل (قَوْلُهُ لِحَاضِرٍ) أَيْ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْبَلَدِ وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ الْبَلَدِ مَا جَاوَرَهَا اهـ. ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ وَمِنْ الْقُدُومِ) أَيْ قُدُومُ الْمُعِزِّي أَوْ الْمُعَزَّى وَقَوْلُهُ أَوْ بُلُوغِ الْخَبَرِ أَيْ إذَا بَلَغَ مَوْتُهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَتَمْتَدُّ التَّعْزِيَةُ بَعْدَهُ ظَاهِرُهُ، وَلَوْ تَأَخَّرَ الدَّفْنُ عَنْهَا فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر أَمَّا عِنْدَ غَيْبَةِ الْمُعَزِّي أَوْ الْمُعَزَّى أَوْ مَرَضِهِ أَوْ حَبْسِهِ أَوْ عَدَمِ عِلْمِهِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي تَمْشِيَتِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِهَا كُلُّ مَا يُشْبِهُهَا مِنْ أَعْذَارِ الْجَمَاعَةِ فَتَبْقَى إلَى الْقُدُومِ وَالْعِلْمِ وَزَوَالِ الْمَانِعِ وَبَحَثَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ امْتِدَادَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَارْتَضَاهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَحْصُلُ بِالْمُكَاتَبَةِ مِنْ الْغَائِبِ وَيَلْتَحِقُ بِهِ الْحَاضِرُ الْمَعْذُورُ، وَلَوْ بِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ وَفِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ وَقْفَةٌ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ بِمُسْلِمٍ) أَيْ، وَلَوْ زَانِيًا مُحْصَنًا وَتَارِكَ صَلَاةٍ وَإِنْ قُتِلَ حَدًّا اهـ. ح ل (قَوْلُهُ أَيْضًا بِمُسْلِمٍ) أَيْ، وَلَوْ رَقِيقًا اهـ. ع ش عَلَى م ر وَالصُّوَرُ الَّتِي فِي الْمَقَامِ أَرْبَعَةٌ تَعْزِيَةُ مُسْلِمٍ بِمُسْلِمٍ وَبِكَافِرٍ وَتَعْزِيَةُ كَافِرٍ بِمُسْلِمٍ وَبِكَافِرٍ وَالْحُكْمُ أَنَّهَا سُنَّةٌ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَمُبَاحَةٌ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ إنْ لَمْ يُرْجَ إسْلَامُ الْكَافِرِ وَالْمُعَزَّى بِفَتْحِ الزَّايِ وَإِلَّا فَتُسَنُّ هَكَذَا تَلَخَّصَ مِنْ شَرْحِ م ر (قَوْلُهُ بِأَنْ يُقَالَ لَهُ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك إلَخْ) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا مَا وَرَدَ مِنْ تَعْزِيَةِ الْخَضِرِ لِأَهْلِ بَيْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهُوَ إنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ وَدَرْكًا مِنْ كُلِّ فَائِتٍ فَبِاَللَّهِ فَثِقُوا وَإِيَّاهُ فَارْجُوَا، فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابُ اهـ. شَرْحُ م ر
(فَائِدَةٌ) الْخَضِرُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الضَّادِ وَبِكَسْرِهِمَا مَعًا وَبِفَتْحِ الْخَاءِ أَوْ كَسْرِهَا مَعَ سُكُونِ الضَّادِ فِيهِمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ أَيْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ لَا نَبَاتَ فِيهَا، وَهُوَ نَبِيٌّ حَيٌّ مُعَمِّرٌ إلَى آخِرِ الزَّمَانِ مَحْجُوبٌ عَنْ الْأَبْصَارِ لَا يَمُوتُ إلَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْقُرْآنِ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتُلُهُ الدَّجَّالُ، ثُمَّ يُحْيِيهِ وَإِنَّمَا طَالَتْ حَيَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ شَرِبَ مِنْ مَاءِ الْحَيَاةِ وَلِيُكَذِّبَ الدَّجَّالَ وَاسْمُهُ بَلْيَا بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَقِيلَ إبَلْيَا وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْعَبَّاسِ وَالْخَضِرُ لَقَبُهُ وَقِيلَ ابْنُ خِلْقِيَّا وَقِيلَ ابْنُ قَابِيلَ وَقِيلَ ابْنُ آدَمَ مِنْ صُلْبِهِ وَقِيلَ الرَّابِعُ مِنْ أَوْلَادِهِ وَقِيلَ وَلَدُ عِيصُو وَقِيلَ سِبْطُ هَارُونَ وَقِيلَ ابْنُ خَالَةِ ذِي الْقَرْنَيْنِ وَوَزِيرُهُ وَقِيلَ ابْنُ فِرْعَوْنَ، وَهُوَ غَرِيبٌ وَقِيلَ إنَّ أُمَّهُ رُومِيَّةٌ وَأَبُوهُ فَارِسِيٌّ وَقِيلَ كَانَ أَبُوهُ مِنْ الْمُلُوكِ وَأَعْجَبُ مَا قِيلَ إنَّهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، وَهُوَ صَاحِبُ مُوسَى الَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ الْقُرْآنُ بِهَذِهِ الْأَعَاجِيبِ الْكَثِيرَةِ وَكَذَا إلْيَاسُ حَيٌّ أَيْضًا، وَهُوَ وَاقِفٌ بِخُرَاسَانَ عِنْدَ سَدِّ يَأْجُوجَ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْضًا بِأَنْ يُقَالَ لَهُ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك إلَى قَوْلِهِ وَغَفَرَ لِمَيِّتِك) قَدَّمَ الدُّعَاءَ لِلْمُعَزَّى هُنَا؛ لِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute