للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَأَحْسَنَ عَزَاءَك) بِالْمَدِّ أَيْ جَعَلَهُ حَسَنًا (وَغَفَرَ لِمَيِّتِك وَبِكَافِرٍ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك) مَعَ قَوْلِهِ (وَصَبَّرَك) أَوْ أَخْلَفَ عَلَيْك أَوْ جَبَرَ مُصِيبَتَك أَوْ نَحْوَهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ مِمَّنْ لَا يُخْلَفُ بَدَلُهُ كَأَبٍ فَلْيَقُلْ بَدَلَ أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك خَلَفَ اللَّهُ عَلَيْك أَيْ كَانَ اللَّهُ خَلِيفَةً عَلَيْك نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ (وَ) يُعَزَّى (كَافِرٌ مُحْتَرَمٌ بِمُسْلِمٍ) بِأَنْ يُقَالَ لَهُ (غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِك وَأَحْسَنَ عَزَاءَك) وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي مُحْتَرَمٌ الْحَرْبِيُّ وَالْمُرْتَدُّ فَلَا يُعَزَّيَانِ إلَّا أَنْ يُرْجَى إسْلَامُهُمَا وَلِلْمُسْلِمِ تَعْزِيَةُ كَافِرٍ مُحْتَرَمٍ بِمِثْلِهِ فَيَقُولُ أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك وَلَا نَقَصَ عَدَدَك.

(وَجَازَ بُكَاءٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَيِّتِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَكَى عَلَى وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَالَ إنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا وَإِنَّا بِفِرَاقِك يَا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» «وَبَكَى عَلَى قَبْرِ بِنْتٍ لَهُ» «وَزَارَ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ» رَوَى الْأَوَّلَ الشَّيْخَانِ وَالثَّانِي الْبُخَارِيُّ وَالثَّالِثَ مُسْلِمٌ وَالْبُكَاءُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ خِلَافُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ أَسَفًا عَلَى مَا فَاتَ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ بَلْ نَقَلَ فِي الْأَذْكَارِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ.

ــ

[حاشية الجمل]

الْمُخَاطَبُ وَقَوْلُهُ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِك وَأَحْسَنَ عَزَاك قَدَّمَ الدُّعَاءَ فِيهِ لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْلِمُ فَكَانَ أَوْلَى بِتَقْدِيمِهِ تَعْظِيمًا لِلسَّلَامِ وَالْحَيُّ كَافِرٌ اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ وَأَحْسَنَ عَزَاءَك) أَيْ صَبْرَك وَسُلُوَّك اهـ شَوْبَرِيٌّ وَفِي الْمُخْتَارِ الْعَزَاءُ الصَّبْرُ يُقَالُ عَزَّاهُ تَعْزِيَةً فَتَعَزَّى. اهـ.

(قَوْلُهُ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك) هُوَ أَفْصَحُ مِنْ عَظَّمَ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ مَعَ قَوْلِهِ وَصَبَّرَك) وَلَا يُقَالُ وَغَفَرَ لِمَيِّتِك؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ. اهـ. زِيَادِيٌّ وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَكِنْ فِي ابْنِ حَجّ قَبْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَجِبُ غُسْلُ كَافِرٍ مَا نَصُّهُ وَيَظْهَرُ حِلُّ الدُّعَاءِ لِأَطْفَالِ الْكُفَّارِ بِالْمَغْفِرَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا بِخِلَافِ صُورَةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ اهـ. ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ إلَخْ) فِي الْمُخْتَارِ يُقَالُ لِمَنْ ذَهَبَ لَهُ مَالٌ أَوْ وَلَدٌ أَوْ شَيْءٌ يُسْتَعَاضُ أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك أَيْ رَدَّ عَلَيْك مِثْلَ مَا ذَهَبَ، فَإِنْ كَانَ قَدْ هَلَكَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ وَالِدٌ أَوْ وَالِدَةٌ أَوْ نَحْوُهُمَا مِمَّا لَا يُسْتَعَاضُ قِيلَ خَلَفَ اللَّهُ عَلَيْك بِغَيْرِ أَلِفٍ أَيْ كَانَ اللَّهُ خَلِيفَةَ مَنْ فَقَدْته عَلَيْك اهـ. (قَوْلُهُ وَيُعَزَّى كَافِرٌ مُحْتَرَمٌ بِمُسْلِمٍ) أَيْ يُعَزَّى جَوَازًا إنْ لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ وَإِلَّا فَنَدْبًا اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ بِأَنْ يُقَالَ غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِك إلَخْ) وَلَا يُقَالُ لَهُ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك؛ لِأَنَّهُ لَا أَجْرَ لَهُ اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي مُحْتَرَمٌ إلَخْ) وَلَا يُعَزَّى الْمُسْلِمُ أَيْضًا بِالْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ إذَا مَاتَا اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ فَلَا يُعَزَّيَانِ) أَيْ تُكْرَهُ تَعْزِيَتُهُمَا نَعَمْ لَوْ كَانَ فِيهَا تَوْقِيرُهُمَا حَرُمَتْ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُرْجَى إسْلَامُهُمَا أَيْ، فَإِنْ رُجِيَ فَهِيَ سُنَّةٌ اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ وَلِلْمُسْلِمِ تَعْزِيَةُ كَافِرٍ إلَخْ) أَيْ جَوَازًا لَا نَدْبًا مَا لَمْ يَرْجُ إسْلَامَهُ وَإِلَّا فَنَدْبًا اهـ. شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ وَلَا نَقَصَ عَدَدَك) بِنَصْبِهِ وَرَفْعِهِ مَعَ تَخْفِيفِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِهَا مَعَ النَّصْبِ اهـ. ع ش عَلَى م ر.

(قَوْلُهُ وَجَازَ بُكَاءٌ عَلَيْهِ) فِي الْمُخْتَارِ بَكَى يَبْكِي بِالْكَسْرِ بُكَاءً، وَهُوَ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ فَالْبُكَاءُ بِالْمَدِّ الصَّوْتُ وَبِالْقَصْرِ الدُّمُوعُ وَخُرُوجُهَا بُكَاءٌ وَبَكَى عَلَيْهِ بِمَعْنًى وَبَكَاهُ يَبْكِيهِ مِثْلُهُ وَأَبْكَاهُ إذَا صَنَعَ بِهِ مَا يُبْكِيهِ وَتَبَاكَى تَكَلَّفَ الْبُكَاءَ اهـ. قَالَ الْعُلَمَاءُ الْبُكَاءُ عَلَى عَشَرَةِ أَنْوَاعٍ بُكَاءُ فَرَحٍ وَبُكَاءُ حُزْنٍ عَلَى مَا فَاتَ وَبُكَاءُ رَحْمَةٍ وَبُكَاءُ خَوْفٍ مِمَّا يَحْصُلُ وَبُكَاءُ كَذِبٍ كَبُكَاءِ النَّائِحَةِ، فَإِنَّهَا تَبْكِي لِشَجْوِ غَيْرِهَا وَبُكَاءُ مُوَافَقَةٍ بِأَنْ يَرَى جَمَاعَةً يَبْكُونَ فَيَبْكِي مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ بِالسَّبَبِ وَبُكَاءُ الْمَحَبَّةِ وَالشَّوْقِ وَبُكَاءُ الْجَزَعِ مِنْ حُصُولِ أَلَمٍ لَا يَحْتَمِلُهُ وَبُكَاءُ الْجَوْرِ وَالضَّعْفِ وَبُكَاءُ النِّفَاقِ، وَهُوَ أَنْ تَدْمَعَ الْعَيْنُ وَالْقَلْبُ قَاسٍ فَالْبُكَا بِالْقَصْرِ دَمْعُ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ صَوْتٍ وَالْمَمْدُودُ مَا كَانَ مَعَهُ صَوْتٌ وَأَمَّا التَّبَاكِي فَهُوَ تَكَلُّفُ الْبُكَاءِ، وَهُوَ نَوْعَانِ مَحْمُودٌ وَمَذْمُومٌ فَالْأَوَّلُ مَا يَكُونُ لِاسْتِجْلَابِ رِقَّةِ الْقَلْبِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ سَيِّدِنَا «عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمَّا رَأَى الْمُصْطَفَى وَأَبَا بَكْرٍ يَبْكِيَانِ فِي شَأْنِ أَسَارَى بَدْرٍ أَخْبِرْنِي مَا يُبْكِيك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنْ وَجَدْت بُكَاءً أَيْ سَبَبًا لِبُكَائِي بَكَيْت وَإِلَّا تَبَاكَيْت وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَالثَّانِي مَا يَكُونُ لِأَجْلِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ اهـ. مَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا الْحَلَبِيُّ، ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَسْبَابِ الْبُكَاءِ الْعَشَرَةِ قَدْ يَرْجِعُ إلَى اثْنَيْنِ السُّرُورِ وَالْحُزْنِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فِيهِمَا اهـ. ع ش عَلَى الْمَوَاهِبِ.

(قَوْلُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ وَبَعْدَهُ) لَكِنْ الْأَوْلَى تَرْكُهُ عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ اهـ. ح ل (قَوْلُهُ عَلَى وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ) وَمَاتَ، وَهُوَ صَغِيرٌ وَكَانَ عُمْرُهُ إذْ ذَاكَ سَنَةً وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ وَقِيلَ سَبْعُونَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ سَنَةٌ وَعَشَرَةُ أَشْهُرٍ وَسِتَّةُ أَيَّامٍ وَحِينَ سَمَّاهُ قَالَ سَمَّيْته عَلَى اسْمِ أَبِي إبْرَاهِيمَ وَكَانَ مَعَهُ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَقَالَ لَهُ أَتَبْكِي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ نَهَيْتنَا عَنْ الْبُكَاءِ فَقَالَ وَيْحَك يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ إنَّهُ رَحْمَةٌ وَكَنَّاهُ بِهِ جِبْرِيلُ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَا إبْرَاهِيمَ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَمَاتَ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ (قَوْلُهُ عَلَى قَبْرِ بِنْتٍ لَهُ) لَعَلَّهَا أُمُّ كُلْثُومٍ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمَوَاهِبِ وَأَمَّا أُمُّ كُلْثُومٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهَا اسْمٌ وَإِنَّمَا تُعْرَفُ بِكُنْيَتِهَا فَمَاتَتْ سَنَةَ تِسْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَصَلَّى عَلَيْهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهَا عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَفِي الْبُخَارِيِّ «جَلَسَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْقَبْرِ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ فَقَالَ هَلْ فِيكُمْ مَنْ لَمْ يُقَارِفْ اللَّيْلَةَ» وَقَوْلُهُ عَلَى الْقَبْرِ أَيْ قَبْرِ أُمِّ كُلْثُومٍ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا اهـ. ع ش عَلَى م ر.

(قَوْلُهُ خِلَافُ الْأَوْلَى إلَخْ) وَبَحَثَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْبُكَاءُ لِرِقَّةٍ عَلَى الْمَيِّتِ وَمَا يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَأَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَمْ يُكْرَهْ وَلَا يَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى وَإِنْ كَانَ لِلْجَزَعِ وَعَدَمِ التَّسْلِيمِ لِلْقَضَاءِ فَيُكْرَهُ أَوْ يَحْرُمُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ هَذَا كُلُّهُ فِي الْبُكَاءِ بِصَوْتٍ أَمَّا مُجَرَّدُ دَمْعِ الْعَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>