الْقِبْلَةِ» فَجَمَعَ أَئِمَّتُنَا أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ بِحَمْلِ أَوَّلِهَا الْمُفِيدِ لِلتَّحْرِيمِ عَلَى مَا لَمْ يَسْتَتِرْ فِيهِ بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ لِسَعَتِهِ لَا يَشُقُّ فِيهِ اجْتِنَابُ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ بِخِلَافِ مَا اسْتَتَرَ فِيهِ بِذَلِكَ فَقَدْ يَشُقُّ فِيهِ اجْتِنَابُ مَا ذُكِرَ فَيَجُوزُ فِعْلُهُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى لَنَا تَرْكَهُ أَمَّا إذَا كَانَ فِي الْمُعَدِّ لِذَلِكَ فَلَا حُرْمَةَ فِيهِ وَلَا كَرَاهَةَ وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَتَقْيِيدِي بِالسَّاتِرِ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ وَبِعَدَمِهِ فِي الثَّانِي مَعَ التَّقْيِيدِ فِيهِمَا بِغَيْرِ الْمُعَدِّ لِذَلِكَ مِنْ زِيَادَتِي.
(وَ) أَنْ (يَبْعُدَ) عَنْ النَّاسِ فِي الصَّحْرَاءِ وَنَحْوهَا إلَى حَيْثُ لَا يُسْمَعُ لِلْخَارِجِ مِنْهُ صَوْتٌ وَلَا يُشَمُّ لَهُ رِيحٌ (وَ) أَنْ (يَسْتَتِرَ) عَنْ أَعْيُنِهِمْ فِي ذَلِكَ بِمُرْتَفِعٍ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَأَقَلُّ وَلَوْ بِإِرْخَاءِ ذَيْلِهِ إنْ كَانَ بِصَحْرَاءَ أَوْ بِنَاءٍ لَا يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ
ــ
[حاشية الجمل]
الْكَرَاهَةَ بِمَعْنَى اعْتَقَدُوهَا، أَوْ بِمَعْنَى فَعَلُوا مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، أَوْ بِمَعْنَى وَقَعَتْ مِنْهُمْ فَهُوَ تَوْبِيخٌ لَهُمْ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ حَوِّلُوا بِمَقْعَدَتِي إلَى الْقِبْلَةِ إلَى أَنَّهُمْ إنَّمَا كَرِهُوا مَا نُقِلَ عَنْهُمْ اعْتِمَادًا عَلَى فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جَعْلِهِ مَقْعَدَتَهُ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَهُوَ تَأْكِيدٌ فِي رَدِّ مَا فَهِمُوهُ، وَالْمَقْعَدَةُ اسْمٌ لِنَحْوِ حَجَرَيْنِ يَجْلِسُ قَاضِي الْحَاجَةِ عَلَيْهِمَا وَبَيْنَهُمَا مُنْخَفِضٌ اهـ. (قَوْلُهُ: فَجَمَعَ أَئِمَّتُنَا إلَخْ) هَذَا الْجَمْعُ يَدُلُّ عَلَى التَّعَارُضِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الثَّلَاثَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ إلَخْ وَقَوْلَهُ وَرَوَيَا أَيْضًا إلَخْ وَقَوْلَهُ وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ إلَخْ، وَوَجْهُ التَّعَارُضِ أَنَّ الْأَوَّلَ يَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ مُطْلَقًا أَيْ مَعَ السَّاتِرِ وَبِدُونِهِ، وَالْآخَرَانِ يَدُلَّانِ عَلَى جَوَازِهِمَا لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا عَلَى جَوَازِ الِاسْتِدْبَارِ وَالثَّانِي مِنْهُمَا عَلَى جَوَازِ الِاسْتِقْبَالِ وَوَجْهُ الْجَمْعِ أَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ الثَّلَاثَةِ يَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ مُطْلَقًا أَيْ مَعَ السَّاتِرِ وَبِدُونِهِ، وَالْآخَرَانِ يَدُلَّانِ عَلَى الْجَوَازِ مَعَ السَّاتِرِ وَهَذَا مُرَادُ الشَّارِحِ فِي الْحَمْلِ الدَّافِعِ لِلتَّعَارُضِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِخِلَافِ مَا اسْتَتَرَ فِيهِ بِذَلِكَ يَرْجِعُ لِلْأَخِيرَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ فِي الْمُعَدِّ إلَّا أَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَنْظُرْ لِلْمُعَدِّ وَغَيْرِهِ اهـ عَشْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا فَجَمَعَ أَئِمَّتُنَا إلَخْ) عِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ فَجَمَعَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ قَالَ ق ل عَلَيْهِ فَنِسْبَةُ الْجَمْعِ لِلْأَصْحَابِ كَمَا فِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ كَالْمَنْهَجِ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ التَّجَوُّزِ اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا لَمْ يَسْتَتِرْ فِيهِ بِمَا ذُكِرَ) أَيْ عَلَى فَضَاءٍ لَمْ يَسْتَتِرْ فِيهِ بِمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ أَيْ الْفَضَاءَ الْمَذْكُورَ إلَخْ بِخِلَافِ مَا اسْتَتَرَ فِيهِ بِذَلِكَ أَيْ بِخِلَافِ بِنَاءٍ اسْتَتَرَ فِيهِ بِذَلِكَ إلَخْ كَمَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى لَنَا تَرْكَهُ هَذَا يُوَافِقُ مَا قَدَّمَهُ عَنْ الْمَجْمُوعِ مِنْ أَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ خِلَافُ الْأَوْلَى لَا مَا قَدَّمَهُ عَنْ الرَّافِعِيِّ مِنْ كَرَاهَةِ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى أَيْ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ إنْكَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أُولَئِكَ النَّاسِ وَأَمْرِهِ بِتَحْوِيلِ مَقْعَدَتِهِ إلَى الْقِبْلَةِ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ: كَمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ) أَيْ فِي الْمَكَانِ الْغَيْرِ الْمُعَدِّ مَعَ السَّاتِرِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَيْ فَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ خِلَافَ الْأَوْلَى بَلْ وَالْمَكْرُوهَ لِلتَّشْرِيعِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ اهـ تَقْرِيرُ بَعْضِهِمْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى لَنَا تَرْكَهُ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا كَانَ فِي الْمُعَدِّ إلَخْ) لَا يَبْعُدُ أَنْ يَصِيرَ مُعَدًّا بِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فِيهِ مَعَ قَصْدِ الْعَوْدِ إلَيْهِ لِذَلِكَ اهـ سم اهـ شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ مُعَدٍّ قَيْدٌ فِي الْحُرْمَةِ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ إذَا اتَّخَذَ لَهُ مَحَلًّا فِي الصَّحْرَاءِ بِغَيْرِ سَاتِرٍ وَأَعَدَّهُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ لَا يَحْرُمُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِيهِ لِجِهَةِ الْقِبْلَةِ وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ أَيْضًا وَمِنْهُ مَا يَقَعُ لِلْمُسَافِرِينَ إذَا نَزَلُوا بِبَعْضِ الْمَنَازِلِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ: فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ) هُوَ قَوْلُهُ: وَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ إلَخْ وَقَوْلُهُ: وَبِعَدَمِهِ فِي الثَّانِي هُوَ قَوْلُهُ: وَيَحْرُمَانِ بِدُونِهِ إلَخْ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَبْعُدَ) عِبَارَةُ الْمُخْتَارِ الْبُعْدُ ضِدُّ الْقُرْبِ وَقَدْ بَعُدَ بِالضَّمِّ بُعْدًا فَهُوَ بَعِيدٌ أَيْ مُتَبَاعِدٌ وَأَبْعَدَ غَيْرَهُ وَبَاعَدَهُ وَبَعَّدَهُ تَبْعِيدًا اهـ بِحُرُوفِهِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ بَعُدَ بِالضَّمِّ لَازِمٌ، وَإِنَّ أَبْعَدَ مُتَعَدٍّ وَعَلَيْهِ فَلَا يُقَالُ أَبْعَدَ فِي الْمَكَانِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ بَعُدَ اهـ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ أَنَّ " أَبْعَدَ " يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا فَاللَّازِمُ أَبْعَدَ زَيْدٌ عَنْ الْمَنْزِلِ بِمَعْنَى تَبَاعَدَ، وَالْمُتَعَدِّي أَبْعَدْتُهُ اهـ وَعَلَيْهِ تَجُوزُ قِرَاءَتُهُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا فَيُبْعِدُ وَيَبْعُدُ اللَّازِمُ مُسْتَوِيَانِ اهـ ع ش. (قَوْلُهُ أَيْضًا: وَأَنْ يَبْعُدَ عَنْ النَّاسِ) أَيْ وَلَوْ فِي الْبَوْلِ وَيُسَنُّ أَنْ يُغَيِّبَ شَخْصَهُ حَيْثُ أَمْكَنَ اهـ شَرْحُ م ر وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَائِلِ الْقَائِمِ وَالْقَاعِدِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ وَلَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُتَغَوِّطِ قَالَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْعُبَابِ اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَسْتَتِرَ عَنْ أَعْيُنِهِمْ) أَيْ عَمَّنْ يُحْتَمَلُ مُرُورُهُ مِمَّنْ يَحْرُمُ نَظَرُهُ لِعَوْرَتِهِ وَلَا يَغُضُّ بَصَرَهُ بِالْفِعْلِ عَنْهَا وَحِينَئِذٍ يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ مَا فَائِدَةُ السَّتْرُ عَنْ أَعْيُنِهِمْ مَعَ الْبُعْدِ عَنْهُمْ إلَى الْحَدِّ الْمَذْكُورِ وَقَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ أَيْ فِي حَالِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَسْتَتِرَ عَنْ أَعْيُنِهِمْ) أَيْ بِغَيْرِ نَحْوِ زُجَاجٍ اهـ م ر اهـ شَوْبَرِيٌّ أَيْ وَبِغَيْرِ مَاءٍ صَافٍ بِخِلَافِ سَاتِرِ الْقِبْلَةِ كَمَا مَرَّ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ: ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرَ) أَيْ فِي الْأَغْلَبِ فَإِنْ حَصَلَ السَّتْرُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ كَفَى وَهَذَا فِي حَقِّ الْجَالِسِ أَمَّا الْقَائِمُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سَتْرِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ اهـ لِكَاتِبِهِ.
وَعِبَارَةُ ح ل: قَوْلُهُ: ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ ظَاهِرُهُ، وَإِنْ حَصَلَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ بِدُونِ ذَلِكَ لِضَعْفِ بَدَنِ قَاضِي الْحَاجَةِ وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ سُتْرَةً شَرْعًا وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي اعْتِبَارُ مَا يَحْصُلُ بِهِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ زَادَ، أَوْ نَقَصَ