الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَرَوَيَا أَيْضًا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى حَاجَتَهُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ» وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذُكِرَ عِنْدَهُ أَنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِفُرُوجِهِمْ فَقَالَ أَوَقَدْ فَعَلُوهَا حَوِّلُوا بِمَقْعَدَتِي إلَى
ــ
[حاشية الجمل]
مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الْفَضَاءُ غَيْرُ الْمُعَدِّ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ الْغَائِطُ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ الْوَاسِعُ مِنْ الْأَرْضِ، وَالْجَمْعُ غِيطَانٌ وَأَغْوَاطٌ، ثُمَّ أُطْلِقَ الْغَائِطُ عَلَى الْمَكَانِ الْمُسْتَقْذَرِ مِنْ الْإِنْسَانِ كَرَاهَةَ تَسْمِيَتِهِ بِاسْمِهِ الْخَاصِّ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْضُونَ حَوَائِجَهُمْ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُطْمَئِنَّةِ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْمُجَاوَرَةِ اهـ، ثُمَّ قَالَ ع ش عَلَى م ر وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ نَهْيُهُ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ أَنَّهُ يَجِبُ مَنْعُهُ مِنْ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ حَيْثُ امْتَنَعَا عَلَى الْمُكَلَّفِ بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الْوَلِيِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ إزَالَةَ الْمُنْكَرِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَاجِبَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ الْفَاعِلُ اهـ سم عَلَى أَبِي شُجَاعٍ وَانْظُرْ الْوَلَدَ الصَّغِيرَ وَنَحْوَهُ لَوْ جَلَسَ عَلَى قَصْرِيَّةٍ لِلْبَوْلِ، أَوْ الْغَائِطِ هَلْ يَكُونُ كَالْبِنَاءِ فَلَا يُطْلَبُ لَهُ سَتْرٌ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ السَّتْرِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَدٍّ لِذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ كَالْمُعَدِّ، وَأَمَّا الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ فَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُهُمَا دُونَ اسْتِدْبَارِهِمَا وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ لَا سَاتِرَ كَالْقِبْلَةِ بَلْ أَوْلَى وَمِنْهُ السَّحَابُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ اهـ حَجّ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ: بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ) أَيْ، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا كَدَمٍ أَوْ وَدْيٍ، أَوْ مَذْيٍ، أَوْ دُودٍ، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ لَا رِيحٍ وَجِمَاعٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِحُرْمَةِ مَا ذُكِرَ بِدُونِ سَاتِرٍ فِي غَيْرِ مُعَدٍّ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ فِي ذَلِكَ اهـ حَلَبِيٌّ وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ.
(تَنْبِيهٌ) خَرَجَ بِالْبَوْلِ، وَالْغَائِطِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا بِجِمَاعٍ، أَوْ بِدَمِ فَصْدٍ وَحِجَامَةٍ، وَإِخْرَاجِ قَيْءٍ، أَوْ رِيحٍ، أَوْ مَنِيٍّ، أَوْ إلْقَاءِ نَجَاسَةٍ فَلَا حُرْمَةَ وَلَا كَرَاهَةَ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى تَرْكَهُ تَعْظِيمًا لَهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا) فَإِنْ قُلْت إنْ شَرَّقْنَا اسْتَقْبَلْنَا، وَإِنْ غَرَّبْنَا اسْتَدْبَرْنَا قُلْت هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ دَانَاهُمْ فَإِنَّهُمْ إذَا شَرَّقُوا لَمْ يَسْتَقْبِلُوا، وَإِذَا غَرَّبُوا لَمْ يَسْتَدْبِرُوا اهـ ز ي. (قَوْلُهُ: وَرَوَيَا أَيْضًا إلَخْ) لَيْسَ غَرَضُهُ مِنْ هَذَا وَاَلَّذِي بَعْدَهُ الِاسْتِدْلَالَ بَلْ غَرَضُهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْأَوَّلِ اهـ شَيْخُنَا وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ إهْمَالُ الْمَتْنِ بِلَا دَلِيلٍ وَلَيْسَتْ عَادَتَهُ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: غَرَضُهُ بِالدَّلِيلِ الْأَوَّلِ الِاسْتِدْلَال عَلَى قَوْلِهِ وَيَحْرُمَانِ إلَخْ وَبِالثَّانِي الِاسْتِدْلَال عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ إلَخْ؛ إذْ مُقْتَضَاهُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَبِالثَّالِثِ الِاسْتِدْلَال عَلَى حُكْمِ الْمُعَدِّ الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ التَّفْصِيلِ فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ، وَإِنَّمَا قَدَّمَهُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ أَنْ يَضُمَّهُ لِلدَّلِيلِ الثَّانِي فَيُشِيرُ إلَى مُعَارَضَتِهِمَا لِلْأَوَّلِ فَأَشَارَ إلَى الْجَمْعِ تَبَعًا لِغَرَضِ الِاسْتِدْلَالِ اهـ لِكَاتِبِهِ.
(قَوْلُهُ: قَضَى حَاجَتَهُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ) أَيْ فِي غَيْرِ مُعَدٍّ مَعَ وُجُودِ السَّاتِرِ الْمُتَقَدِّمِ وَقَوْلُهُ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ أَيْ مَعَ وُجُودِ السَّاتِرِ فَهُوَ دَلِيلٌ لِجَوَازِ الِاسْتِقْبَالِ لِلْقِبْلَةِ بِالسَّتْرِ فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ وَفِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ لِجَوَازِ الِاسْتِدْبَارِ لِلْقِبْلَةِ مَعَ وُجُودِ السَّاتِرِ فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ بِنَاءً عَلَى حَمْلِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: يَكْرَهُونَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِفُرُوجِهِمْ أَيْ فِي الْمُعَدِّ فَقَالَ أَوَقَدْ فَعَلُوهَا أَيْ الْكَرَاهَةَ أَيْ قَالُوا بِهَا حَوِّلُوا بِمَقْعَدَتِي إلَى الْقِبْلَةِ فِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ الِاسْتِقْبَالِ فِي الْمُعَدِّ بِغَيْرِ سَاتِرٍ، وَقَوْلُهُ: الْمُفِيدِ لِلتَّحْرِيمِ أَيْ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْهُ وَهُوَ عَدَمُ وُجُودِ السَّاتِرِ وَأَنَّ الْمَحَلَّ غَيْرُ مُعَدٍّ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ: فِي بَيْتِ حَفْصَةَ) يَعْنِي أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِنْتَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وُلِدَتْ وَقُرَيْشٌ تَبْنِي الْبَيْتَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ بِخَمْسِ سِنِينَ وَتَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَيْنِ، أَوْ ثَلَاثٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَتُوُفِّيَتْ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ إحْدَى، أَوْ خَمْسٍ، أَوْ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعٍ، أَوْ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَهِيَ ابْنَةُ سِتِّينَ سَنَةً اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ) بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ) هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرَّبَعِيُّ مَوْلَاهُمْ الْقَزْوِينِيُّ رَوَى عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ الْبَغْدَادِيِّ وَغَيْرِهِ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَقَالَ أَوَقَدْ فَعَلُوهَا) بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ الْخَصْلَةَ، أَوْ الْفَعْلَةَ الدَّالَّ عَلَيْهَا الْكَلَامُ السَّابِقُ فَالْمَعْنَى أَوَقَدْ فَعَلُوا كَرَاهَةَ ذَلِكَ أَيْ قَالُوا بِكَرَاهَتِهِ حَوِّلُوا إلَخْ اهـ بُرُلُّسِيٌّ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ اهـ لِكَاتِبِهِ. (قَوْلُهُ: أَوَقَدْ فَعَلُوهَا) أَيْ الْخَصْلَةَ الَّتِي هِيَ الْكَرَاهَةُ أَيْ اعْتَقَدُوهَا اهـ تَقْرِيرٌ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ اعْتَقَدُوهَا وَقَدْ فَعَلُوهَا أَوْ أَكَرِهُوهَا وَقَدْ فَعَلُوهَا أَيْ فَعَلُوا بِمُقْتَضَاهَا وَهُوَ الِاجْتِنَابُ اهـ. (قَوْلُهُ: حَوِّلُوا بِمَقْعَدَتِي) أَيْ اجْعَلُوا مَقْعَدَتِي أَيْ الْمَحَلَّ الَّذِي أَقْتَضِي فِيهِ الْحَاجَةَ إلَى الْقِبْلَةِ فَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِمَقْعَدَتِي صِلَةُ حَوِّلُوا وَهِيَ زَائِدَةٌ اهـ تَقْرِيرٌ عَشْمَاوِيٍّ وَكَانَتْ مَقْعَدَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبِنَتَيْنِ كَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهِمَا حَالَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ اهـ تَقْرِيرُ بَعْضِهِمْ وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ.
قَوْلُهُ: فَعَلُوهَا أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute