قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُ التَّعْيِينِ فِي الصَّوْمِ الرَّاتِبِ كَعَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَأَيَّامِ الْبِيضِ وَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ كَرَوَاتِبِ الصَّلَاةِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الصَّوْمَ فِي الْأَيَّامِ الْمَذْكُورَةِ مُنْصَرِفٌ إلَيْهَا بَلْ لَوْ نَوَى بِهِ غَيْرَهَا حَصَلَتْ أَيْضًا كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وُجُودُ صَوْمٍ فِيهَا.
(وَتَصِحُّ) النِّيَّةُ (وَإِنْ أَتَى بِمُنَافٍ) لِلصَّوْمِ كَأَنْ جَامَعَ أَوْ اسْتَقَاءَ (أَوْ نَامَ أَوْ انْقَطَعَ نَحْوُ حَيْضٍ) كَنِفَاسٍ (بَعْدَهَا لَيْلًا وَتَمَّ فِيهِ) فِي صُورَةِ الِانْقِطَاعِ (أَكْثَرُهُ) أَيْ نَحْوُ الْحَيْضِ (أَوْ قَدْرُ الْعَادَةِ) فَلَا يَجِبُ تَجْدِيدُهَا لِعَدَمِ مُنَافَاةِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَهَا وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي صُورَةِ الِانْقِطَاعِ اسْتِمْرَارُ الْعَادَةِ فَإِنْ لَمْ يَتِمَّ لَهَا مَا ذُكِرَ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجْزِمْ بِالنِّيَّةِ وَلَمْ تَبْنِ عَلَى أَصْلٍ وَتَعْبِيرِي بِمُنَافٍ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْأَكْلِ، وَالْجِمَاعِ وَنَحْوٍ مِنْ زِيَادَتِي.
(وَتَصِحُّ) النِّيَّةُ (لِنَفْلٍ قَبْلَ زَوَالٍ) فَقَدْ «دَخَلَ
ــ
[حاشية الجمل]
وَهُوَ يَعْتَقِدُهَا سَنَةَ ثَلَاثٍ فَكَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ صَحَّ صَوْمُهُ وَلَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى صَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ وَلَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ صَوْمُ غَدٍ أَوْ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَكَانَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَلَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ السَّنَةُ الْحَاضِرَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ الْوَقْتَ الَّذِي نَوَى فِي لَيْلَتِهِ وَلَوْ نَوَى صَوْمَ غَدٍ يَوْمِ الْأَحَدِ مَثَلًا وَهُوَ غَيْرُهُ فَوَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الصِّحَّةُ مِنْ الْغَالِطِ لَا الْعَامِدِ لِتَلَاعُبِهِ.
وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ إطْلَاقُ ابْنِ الصَّبَّاغِ الْإِجْزَاءَ وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُتَوَلِّي لَوْ كَانَ عَلَيْهِ يَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ مِنْ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَنَوَى يَوْمًا مِنْ سَنَةٍ أُخْرَى غَلَطًا لَمْ يُجْزِهِ كَمَنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ قَتْلٍ فَأَعْتَقَ بِنِيَّةِ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْغَدِ هُنَا أَوْ نِيَّتِهِ مُعَيَّنٌ فَلَمْ يُؤَثِّرْ مَعَهُ الْغَلَطُ بِخِلَافِهِ فِيمَا ذُكِرَ فَإِنَّ الصَّوْمَ وَاقِعٌ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ تَعْيِينُهُ وَلَمْ يَقَعْ الصَّوْمُ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمٌ لَمْ يَدْرِ سَبَبَهُ كَفَاهُ نِيَّةُ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا لِلضَّرُورَةِ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ لَا يَعْرِفُ عَيْنَهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْخَمْسَ وَتُجْزِئُهُ عَمَّا عَلَيْهِ لَا يُقَالُ قِيَاسُ الصَّلَاةِ لُزُومُ صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَنْوِي وَاحِدًا عَنْ الْقَضَاءِ وَآخَرَ عَنْ النَّذْرِ وَآخَرَ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ تَشْتَغِلْ هُنَا ذِمَّتُهُ بِالثَّلَاثِ، وَالْأَصْلُ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِصَوْمِ يَوْمٍ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِمَّا زَادَ بِخِلَافِ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ فَإِنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِجَمِيعِهَا، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ كُلٍّ مِنْهَا فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِصَوْمِ الثَّلَاثِ، وَأَتَى بِاثْنَيْنِ مِنْهَا وَنَسِيَ الثَّالِثَ فَقِيلَ يَلْتَزِمُ ذَلِكَ، وَالْأَوْجَهُ إبْقَاءُ كَلَامِهِمْ عَلَى عُمُومِهِ وَيُوَجَّهُ بِالتَّوَسُّعِ الْمَذْكُورِ وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفُوا ثَمَّ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ كَنَظِيرِهَا هُنَا؛ لِأَنَّهُمْ تَوَسَّعُوا هُنَا مَا لَمْ يَتَوَسَّعُوا ثَمَّ بِدَلِيلِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ فِي نِيَّةِ الصَّوْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ اهـ. شَرْحُ م ر وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
قَوْلُهُ: وَتَعْيِينُهُ أَيْ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسُ لَا مِنْ حَيْثُ النَّوْعُ وَلَا الزَّمَنُ فَيَكْفِي نِيَّةُ الْكَفَّارَةِ لِمَنْ عَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ. . . إلَخْ) غَرَضُهُ بِهَذَا بَيَانُ مَفْهُومِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ وَتَعْيِينُهُ أَيْ الْفَرْضِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَمَّا النَّفَلُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ رَاتِبٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعْيِينُ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ رَاتِبًا فَفِيهِ خِلَافٌ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: فِي الصَّوْمِ الرَّاتِبِ) وَهُوَ مَا لَهُ وَقْتٌ أَوْ سَبَبٌ اهـ. ح ل فَذُو السَّبَبِ هُوَ صَوْمُ الِاسْتِسْقَاءِ إذَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ الْإِمَامُ اهـ. ع ش عَلَى م ر وَذُو الْوَقْتِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ كَعَرَفَةَ. إلَخْ (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ بِأَنَّ الصَّوْمَ. إلَخْ) هَذَا الْجَوَابُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ التَّعْيِينَ شَرْطٌ فِي حُصُولِ الثَّوَابِ لَا فِي الصِّحَّةِ مَثَلًا إذَا نَوَى يَوْمَ عَرَفَةَ الصَّوْمَ وَأَطْلَقَ أَيْ لَمْ يُلَاحِظْ فِيهِ كَوْنَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ فَإِنَّ صَوْمَهُ صَحِيحٌ وَيَسْقُطُ عَنْهُ طَلَبُ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ وَأَمَّا الثَّوَابُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى صَوْمِ عَرَفَةَ الَّذِي وَعَدَ بِهِ الشَّارِعُ فَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِالتَّعْيِينِ أَيْ بِنِيَّةِ كَوْنِ صَوْمِهِ لِيَوْمِ عَرَفَةَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ صَوْمَ الْفَرْضِ لَا يَجِبُ فِيهِ إلَّا شَيْئَانِ التَّبْيِيتُ، وَالتَّعْيِينُ لَا الْفَرْضِيَّةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَأَنَّ صَوْمَ النَّفْلِ الرَّاتِبِ يَجِبُ فِيهِ التَّعْيِينُ لِحُصُولِ الثَّوَابِ لَا لِلصِّحَّةِ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ وَرُدَّ أَيْ بِهَذَا الِاشْتِرَاطِ كَمَا فَعَلَ م ر؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ إشْكَالٌ حَتَّى يُجِيبَ عَنْهُ. اهـ شَيْخُنَا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مُرَادَهُ الْجَوَابُ عَنْ الْقِيَاسِ فِي قَوْلِهِ كَرَوَاتِبِ الصَّلَاةِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَتَى بِمُنَافٍ أَوْ نَامَ أَوْ انْقَطَعَ نَحْوُ حَيْضٍ. إلَخْ) الْغَايَاتُ الثَّلَاثُ لِلرَّدِّ عَلَى الضَّعِيفِ لَكِنَّهُ فِي الثَّالِثِ فِي خُصُوصِ تَمَامِ قَدْرِ الْعَادَةِ لَا فِيهِ وَفِي تَمَامِ الْأَكْثَرِ كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَةِ أَصْلِهِ، وَحَكَى الْمَحَلِّيُّ الضَّعِيفَ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فَقَالَ فِي الْأَوَّلِ وَقِيلَ: يَضُرُّ الْمُنَافِي بَعْدَهَا فَيَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِهَا تَحَرُّزًا عَنْ تَخَلُّلِ الْمُنَاقِضِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِبَادَةِ، وَقَالَ فِي الثَّانِي، وَقِيلَ يَجِبُ تَجْدِيدُهَا إذَا نَامَ بَعْدَهَا تَقْرِيبًا لِلنِّيَّةِ مِنْ الْعِبَادَةِ بِقَدْرِ الْوُسْعِ، وَقَالَ فِي الثَّالِثِ، وَالثَّانِي يَقُولُ قَدْ يَتَخَلَّفُ قَدْرُ الْعَادَةِ فَلَا تَكُونُ النِّيَّةُ جَازِمَةً اهـ. (قَوْلُهُ: بِمُنَافٍ لِلصَّوْمِ) بِخِلَافِ الْمُنَافِي لِلنِّيَّةِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ فَقَدْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَوْ نَوَى رَفْضَ النِّيَّةِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَجَبَ تَجْدِيدُهَا بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ رَفْضَ النِّيَّةِ يُنَافِيهَا وَأَثَّرَ فِيهَا قَبْلَ الْفَجْرِ لِضَعْفِهَا حِينَئِذٍ بِخِلَافِ رَفْضِهَا نَهَارًا فَلَا يَضُرُّ لِقُوَّتِهَا وَالرِّدَّةُ مُنَافِيَةٌ لِلنِّيَّةِ فَكَانَتْ كَرَفْضِهَا وَإِنْ كَانَتْ نَهَارًا اهـ. ح ل (قَوْلُهُ: أَوْ انْقَطَعَ نَحْوُ حَيْضٍ. إلَخْ) وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ تَنْوِيَ الصَّوْمَ حَالَةَ الْحَيْضِ وَقَوْلُهُ: وَتَمَّ فِيهِ أَكْثَرُهُ أَيْ وَقَدْ عَلِمَتْ ذَلِكَ اهـ. ح ل أَيْ لِأَجْلِ أَنْ تَكُونَ جَازِمَةً بِالنِّيَّةِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَبْنِ عَلَى أَصْلٍ) عَطْفُ سَبَبٍ عَلَى مُسَبَّبٍ أَوْ عِلَّةٍ عَلَى مَعْلُولٍ. اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ النِّيَّةُ لِنَفْلٍ قَبْلَ زَوَالٍ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ وَيَجِبُ لِفَرْضِهِ تَبْيِيتُهَا. . . إلَخْ. اهـ شَيْخُنَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا قَارَنَ الزَّوَالَ كَبَعْدَهُ وَتَكْفِيهِ