اُشْتُهِرَ فِي كَلَامِهِمْ فِي تَفْسِيرِ التَّعْيِينِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ مِنْ حَدِّ التَّعْيِينِ وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ نَظَرِهِمْ إلَى التَّبْيِيتِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ نِيَّةُ الْغَدِ وَلَا الْأَدَاءِ وَلَا الْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَا الْفَرْضِيَّةِ وَلَا السَّنَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي غَيْرِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ وَفِيهَا عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِينَ لَكِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْلِ وَالرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنَّهَا تَجِبُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَفَرَّقَ فِي الْمَجْمُوعِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ مِنْ الْبَالِغِ لَا يَقَعُ إلَّا فَرْضًا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْمُعَادَةَ نَفْلٌ، وَفِيهِ كَلَامٌ ذَكَرْته مَعَ جَوَابِهِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ.
(وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ صَوْمَ غَدٍ عَنْ رَمَضَانَ) سَوَاءٌ قَالَ إنْ كَانَ مِنْهُ أَمْ لَا (فَكَانَ مِنْهُ) وَصَامَهُ (صَحَّ) وَوَقَعَ عَنْهُ (فِي آخِرِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ وَلَا أَثَرَ لِتَرَدُّدٍ يَبْقَى بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ عَدْلٍ لِلِاسْتِنَادِ إلَى ظَنٍّ مُعْتَمَدٍ (لَا) فِي (أَوَّلِهِ) لِانْتِفَاءِ الْأَصْلِ مَعَ عَدَمِ جَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ (إلَّا إنْ ظَنَّ أَنَّهُ مِنْهُ بِقَوْلِ مَنْ يَثِقُ بِهِ) كَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ وَمُرَاهِقٍ وَفَاسِقٍ فَيَصِحُّ وَيَقَعُ عَنْهُ لِجَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ وَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِمَا ذَكَرَهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فَلَوْ نَوَى صَوْمَ غَدٍ نَفْلًا إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ وَإِلَّا فَمِنْ رَمَضَانَ وَلَا أَمَارَةَ فَبَانَ مِنْ شَعْبَانَ صَحَّ صَوْمُهُ نَفْلًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ وَإِنْ بَانَ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يَصِحَّ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا.
(وَلَوْ اشْتَبَهَ) رَمَضَانُ عَلَيْهِ (صَامَ بِتَحَرٍّ
ــ
[حاشية الجمل]
ذِكْرَ لَفْظِ الْغَدِ فِي كَمَالِ النِّيَّةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَنْدُوبٌ مَعَ أَنَّهُ اُشْتُهِرَ فِي كَلَامِهِمْ فِي تَفْسِيرِ التَّعْيِينِ فَيَقْتَضِي أَنَّ ذِكْرَهُ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ وَاجِبٌ اهـ. شَيْخُنَا ح ف (قَوْلُهُ: اُشْتُهِرَ فِي كَلَامِهِمْ) أَيْ الْأَصْحَابِ فِي تَفْسِيرِ التَّعْيِينِ أَيْ فِي تَصْوِيرِهِ فَقَالُوا: صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: نَوَيْت صَوْمَ غَدٍ عَنْ رَمَضَانَ وَهَذَا التَّصْوِيرُ فِي الْحَقِيقَةِ تَصْوِيرٌ لِلتَّبْيِيتِ فَلِلتَّبْيِيتِ صُورَتَانِ أَنْ يَقُولَ نَوَيْت صَوْمَ رَمَضَانَ أَوْ نَوَيْت صَوْمَ غَدٍ عَنْ رَمَضَانَ فَانْتَقَلَ نَظَرُهُمْ لِإِحْدَى صُورَتَيْ التَّبْيِيتِ فَجَعَلُوهَا صُورَةً لِلتَّعْيِينِ وَمُرَادُهُ بِهَذَا الْجَوَابِ عَمَّا أُورِدَ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَتْنِ مِنْ أَنَّ التَّعَرُّضَ لِلْغَدِ مَنْدُوبٌ حَيْثُ ذَكَرَهُ فِي الْكَمَالِ وَاقْتَصَرَ فِي الْوَاجِبِ عَلَى التَّبْيِيتِ، وَالتَّعْيِينِ مَعَ أَنَّ الْقَوْمَ ذَكَرُوهُ فِي تَفْسِيرِ التَّعْيِينِ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ وَاجِبٌ. اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ نَظَرِهِمْ إلَى التَّبْيِيتِ) أَيْ فَلَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ بِخُصُوصِهِ بَلْ يَكْفِي دُخُولُهُ فِي صَوْمِ الشَّهْرِ الْمَنْوِيِّ لِحُصُولِ. التَّعْيِينِ كَمَا فِي نِيَّةِ الشَّهْرِ جَمِيعِهِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ بِهِ أَوَّلَ يَوْمٍ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهُ فَالْغَدُ مِثَالٌ لِلتَّبْيِيتِ وَرَمَضَانُ مِثَالٌ لِلتَّعْيِينِ اهـ. ح ل (قَوْلُهُ: وَبِمَا تَقَرَّرَ) أَيْ مِنْ الِاقْتِصَارِ فِي بَيَانِ وَاجِبِ النِّيَّةِ عَلَى التَّعْيِينِ، وَالتَّبْيِيتِ. اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الصَّلَاةِ) أَيْ فَاحْتِيجَ لِنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِيهَا لِتَتَمَيَّزَ عَنْ الْمُعَادَةِ وَهَذَا الْفَرْقُ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ وُجُوبِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْمُعَادَةِ أَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ فَلَا يَتَأَتَّى اهـ. شَيْخُنَا ح ف (قَوْلُهُ: وَفِيهِ كَلَامٌ ذَكَرْته مَعَ جَوَابِهِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ) عِبَارَتُهُ هُنَاكَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ اشْتِرَاطُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِينَ عَدَمَ اشْتِرَاطِهَا هُنَا بِخِلَافِهِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ مِنْ الْبَالِغِ لَا يَقَعُ إلَّا فَرْضًا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْمُعَادَةَ نَفْلٌ وَرُدَّ بِاشْتِرَاطِ نِيَّتِهَا فِي الْمُعَادَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ صُحِّحَ فِيهِ أَيْضًا عَدَمُ اشْتِرَاطِهَا فِي الْمُعَادَةِ فَإِنْ قُلْت الْجُمُعَةُ لَا تَقَعُ مِنْ الْبَالِغِ إلَّا فَرْضًا مَعَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ قُلْت مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا بِمَكَانٍ ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً فِي آخَرَ يُصَلُّونَهَا فَإِنَّهَا لَا تَقَعُ مِنْهُ فَرْضًا انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ) أَيْ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ مِنْ شَعْبَانَ كَمَا يَدُلُّ لَهُ كَلَامُهُ بَعْدُ اهـ ز ي (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ قَالَ إنْ كَانَ مِنْهُ أَمْ لَا) بَلْ وَإِنْ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فَهُوَ تَطَوُّعٌ كَمَا اعْتَمَدَهُ م ر اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: صَحَّ فِي آخِرِهِ) فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا حَيْثُ صَحَّ مَعَ تَرَدُّدِهِ فِي قَبُولِ الْمَنْوِيِّ لِلصَّوْمِ وَبَيْنَ عَدَمِ الصِّحَّةِ فِيمَا لَوْ شَكَّ حَالَ النِّيَّةِ هَلْ طَلَعَ الْفَجْرُ أَوْ لَا؟ قُلْت: يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ لَمَّا كَانَتْ النِّيَّةُ فِي مَحَلِّهَا يَقِينًا مَعَ الِاسْتِصْحَابِ كَانَتْ أَقْوَى بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَحَلِّهَا يَقِينًا، وَإِنْ وُجِدَ الِاسْتِصْحَابُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَا أَثَرَ لِتَرَدُّدٍ يَبْقَى. . . إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ مَحَلُّهَا بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ ثُبُوتُهَا بِعَدْلٍ شَهَادَةً كَمَا فَعَلَ حَجّ فَلَا مَحَلَّ لَهَا هُنَا. اهـ شَيْخُنَا وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ صَنِيعِ الشَّارِحِ بِأَنَّهُ اعْتِذَارٌ عَنْ التَّرَدُّدِ الْحَاصِلِ لِلنَّاوِي خُصُوصًا فِي صُورَةِ التَّعْلِيقِ الَّتِي ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: سَوَاءٌ قَالَ إنْ كَانَ مِنْهُ أَوْ لَا، وَقَوْلُهُ: بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي أَيْ بِثُبُوتِ رَمَضَانَ أَوَّلِهِ فَحُكْمُ الْقَاضِي فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ مُسْتَصْحَبٌ إلَى تَمَامِ الثَّلَاثِينَ فَلَا أَثَرَ لِتَرَدُّدِ النَّاوِي فِي لَيْلَةِ الثَّلَاثِينَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ مِنْ بَقِيَّةِ رَمَضَانَ، وَقَوْلُهُ: لِلِاسْتِنَادِ إلَى ظَنٍّ مُعْتَمَدٍ، وَهُوَ اسْتِصْحَابُ بَقَاءِ الشَّهْرِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ الْقَاضِي أَوَّلًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ) أَيْ صَوْمُهُ وَلَا يَجِبُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْوُجُوبَ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا اعْتَقَدَ صِدْقَ مَنْ ذَكَرَ فَصِحَّةُ النِّيَّةِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُوبِ الصَّوْمِ اهـ. ح ل.
(قَوْلُهُ: لِجَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ) اُنْظُرْ كَيْفَ يَكُونُ جَازِمًا بِالنِّيَّةِ مَعَ أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ مِنْهُ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ ذَلِكَ تَأَمَّلْ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْجَزْمِ الظَّنُّ الْقَوِيُّ (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فَلَوْ نَوَى. . إلَخْ) كَأَنَّهُ تَقْيِيدٌ آخَرُ لِقَوْلِهِ لَا فِي أَوَّلِهِ بَعْدَ تَقْيِيدِهِ بِقَوْلِهِ إلَّا إنْ ظَنَّ. إلَخْ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَإِلَّا إنْ عَلَّقَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فَيَصِحُّ نَفْلًا.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ اشْتَبَهَ رَمَضَانُ عَلَيْهِ) كَأَنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِمَوْضِعٍ مُظْلِمٍ مَثَلًا أَوْ أَسِيرًا، وَقَوْلُهُ: صَامَ بِتَحَرٍّ أَيْ بِعَلَامَةٍ كَحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ رَمَضَانَ تِلْكَ السَّنَةَ يَكُونُ فِي الْبَرْدِ مَثَلًا وَتَدْخُلُ أَيَّامُ الْبَرْدِ وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْنَ رَمَضَانَ اهـ. ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ (قَوْلُهُ: صَامَ بِتَحَرٍّ) فَلَوْ صَامَ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ فَوَافَقَ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ لِتَرَدُّدِهِ فِي النِّيَّةِ فَلَوْ اجْتَهَدَ وَتَحَيَّرَ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ لَمْ يَلْزَمْهُ الصَّوْمُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَيَقْضِي كَالْمُتَحَيِّرِ فِي الْقِبْلَةِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ أَوْ ظَنِّهِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ فَقَدْ تَحَقَّقَ دُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَعَجَزَ عَنْ شَرْطِهَا فَأُمِرَ بِالصَّلَاةِ عَلَى حَسَبِ الْإِمْكَانِ لِحُرْمَةِ وَقْتِهَا وَلَوْ لَمْ يَعْرِفْ اللَّيْلَ مِنْ النَّهَارِ وَاسْتَمَرَّتْ الظُّلْمَةُ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّحَرِّي وَالصَّوْمُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فَلَوْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ اللَّيْلَ وَيُفْطِرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute