لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً وَلَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» زَادَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «وَأَخَّرُوا السُّحُورَ» (إنْ تُيُقِّنَ بَقَاءُ اللَّيْلِ) فِي الْأُولَيَيْنِ وَدُخُولُهُ فِي الثَّالِثَةِ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ تَرْكُ ذَلِكَ بَلْ يَحْرُمُ التَّعْجِيلُ إنْ لَمْ يَتَحَرَّ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَجَعْلُ التَّسَحُّرِ سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً مَعَ تَقْيِيدِهِ بِالتَّيَقُّنِ مِنْ زِيَادَتِي.
ــ
[حاشية الجمل]
وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأُمَمَ السَّابِقَةَ كَانُوا يَأْكُلُونَ قَبْلَ أَنْ يَنَامُوا وَكَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْأَكْلُ، وَالشُّرْبُ مِنْ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ وَيَحْصُلُ بِقَلِيلِ الْمَطْعُومِ وَكَثِيرِهِ لِخَبَرِ «تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجَرْعَةِ مَاءٍ» . اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَمَحَلُّ اسْتِحْبَابِهِ إذَا رُجِيَ بِهِ مَنْفَعَةٌ وَلَمْ يَخْشَ بِهِ ضَرَرًا كَمَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَلِهَذَا قَالَ الْحَلِيمِيُّ: إذَا كَانَ شَبْعَانَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَسَحَّرَ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ الشِّبَعِ اهـ. وَمُرَادُهُ إكْثَارُ الْأَكْلِ اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: وَتَعْجِيلُ فِطْرٍ) وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهُ إنْ قَصَدَ ذَلِكَ وَرَأَى أَنَّ فِيهِ فَضِيلَةً وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ اهـ شَرْحُ م ر: وَيَنْبَغِي سَنُّ التَّعْجِيلِ وَلَوْ كَانَ مَارًّا بِالطَّرِيقِ وَلَا تَنْخَرِمُ بِهِ مُرُوءَتُهُ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ مِنْ طَلَبِ الْأَكْلِ يَوْمَ عِيدِ الْفِطْرِ بِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَوْ مَارًّا بِالطَّرِيقِ اهـ. ع ش عَلَيْهِ وَيُكْرَهُ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَقَبْلَ الْفِطْرِ أَنْ يَتَمَضْمَضَ بِمَاءٍ وَيَمُجَّهُ أَوْ يَشْرَبَهُ وَيَتَقَايَأَهُ اهـ. مِنْ شَرْحِ م ر وَعِ ش عَلَيْهِ وَانْظُرْ هَلْ يَحْصُلُ التَّعْجِيلُ بِمَا يَزُولُ بِهِ الْوِصَالُ مِنْ كُلِّ مُفْطِرٍ وَلَوْ جِمَاعًا أَوْ نَبْشَ أُذُنٍ وَيَكُونُ الْمَعْنَى بِتَعْجِيلِهِ قَطْعُ آثَارِ الصَّوْمِ فِي غَيْرِ زَمَنِهِ أَوْ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِمَا يَحْصُلُ بِهِ التَّقَوِّي أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى فَلْيُحَرَّرْ وَانْظُرْ حِكْمَتَهُ وَلَعَلَّهُ التَّبَاعُدُ عَنْ التَّلَبُّسِ بِالصَّوْمِ فِي غَيْرِ زَمَنِهِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ: تَعْجِيلُ الْفِطْرِ أَيْ بِغَيْرِ جِمَاعٍ وَلَوْ عَلَى الْمَاءِ وَإِنْ رُجِيَ غَيْرُهُ اهـ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ بِتَنَاوُلِ شَيْءٍ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ حُصُولِ سُنَّةِ التَّعْجِيلِ بِالْجِمَاعِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إضْعَافِ الْقُوَّةِ، وَالضَّرَرِ انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ: عَدَمُ حُصُولِ سُنَّةِ التَّعْجِيلِ بِالْجِمَاعِ أَيْ وَلَا بِالِاسْتِقَاءَةِ أَوْ إدْخَالِ نَحْو عُودٍ فِي أُذُنِهِ أَوْ إحْلِيلِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ اهـ. رَشِيدِيٌّ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ مُحْتَمَلٌ مُعْتَمَدٌ اهـ. ع ش عَلَيْهِ.
(فَائِدَةٌ)
يَجِبُ أَنْ يُفْطِرَ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ نَفْلًا أَوْ فَرْضًا إذْ الْوِصَالُ حَرَامٌ وَهُوَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ وَلَا يَتَنَاوَلُ بِاللَّيْلِ مَطْعُومًا عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْجِمَاعَ وَنَحْوَهُ لَا يَمْنَعُ الْوِصَالَ قَالَ فِي الْمُهِّمَّاتِ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْوِصَالِ لِلضَّعْفِ أَيْ عَنْ الصِّيَامِ وَنَحْوِهِ مِنْ الطَّاعَاتِ وَتَرْكُ الْجِمَاعِ وَنَحْوِهِ لَا يُضْعِفُ بَلْ يُقَوِّي لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ هُوَ أَنْ يَسْتَدِيمَ جَمِيعَ أَوْصَافِ الصَّائِمِينَ، وَذَكَرَ الْجُرْجَانِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ نَحْوَهُ قَالَ: وَتَعْبِيرُ الرَّافِعِيِّ أَيْ وَغَيْرِهِ بِأَنْ يَصُومَ يَوْمَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْإِمْسَاكِ كَتَارِكِ النِّيَّةِ لَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ لَيْلًا مِنْ تَعَاطِي الْمُفْطِرِ وِصَالًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ صَوْمَيْنِ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ اهـ. شَرْحُ م ر أَيْ فَلَا فَرْقَ فِي حُرْمَةِ الْوِصَالِ بَيْنَ كَوْنِهِ بَيْنَ صَوْمَيْنِ أَوْ لَا اهـ. ع ش عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ. . . إلَخْ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ ع ش أَيْضًا فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا زَالَ عَنْهُ وَصْفُ الصَّائِمِينَ بِغَيْرِ الْأَكْلِ كَجِمَاعٍ وَاسْتِقَاءَةٍ وَإِدْخَالِ عُودٍ فِي أُذُنِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ انْتَفَتْ عَنْهُ حُرْمَةُ الْوِصَالِ فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأُمُورَ الْمُفْطِرَةَ غَيْرَ الْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ لَا تَحْصُلُ بِهَا سُنَّةُ تَعْجِيلِ الْفِطْرِ وَيَحْصُلُ بِهَا قَطْعُ الْوِصَالِ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ. . . إلَخْ) أَيْ وَلِمَا فِي تَأْخِيرِ السُّحُورِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى وَلِأَنَّ تَأْخِيرَ السُّحُورِ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى عَلَى الْعِبَادَةِ، وَصَحَّ: «تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قُمْنَا إلَى الصَّلَاةِ وَكَانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا خَمْسِينَ آيَةً» .
وَفِيهِ ضَبْطٌ لِقَدْرِ مَا يَحْصُلُ بِهِ سُنَّةُ التَّأْخِيرِ اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً) قِيلَ الْمُرَادُ بِهَا الْأَجْرُ، وَالثَّوَابُ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُقْرَأَ السُّحُورُ بِالضَّمِّ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التَّسَحُّرِ، وَقِيلَ: الْبَرَكَةُ فِيهِ مَا يَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ وَيَنْشَطُ لَهُ، وَقِيلَ: مَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ الِاسْتِيقَاظِ، وَالذِّكْرِ، وَالدُّعَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ اهـ. كَرْمَانِيٌّ عَلَى الْبُخَارِيِّ.
(تَنْبِيهٌ)
مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ صَوْمُ رَمَضَانَ وَنَظَرُ اللَّهِ إلَيْهِمْ أَوَّلَهُ وَتَزَيُّنُ الْجَنَّةِ فِيهِ وَخُلُوفُ أَفْوَاهِهِمْ، وَاسْتِغْفَارُ الْمَلَائِكَةِ لَهُمْ حِينَ يُفْطِرُونَ، وَعُمُومُ الْمَغْفِرَةِ لَهُمْ آخِرَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَاسْتِغْفَارُ الْحِيتَانِ لَهُمْ حِينَ يُفْطِرُونَ، وَالسُّحُورُ وَتَأْخِيرُهُ وَتَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَإِبَاحَةُ الطَّعَامِ، وَالْجِمَاعِ إلَى الْفَجْرِ، وَالِاسْتِرْجَاعُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ حَجّ عَلَى الْهَمْزِيَّةِ: مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَنَّ أَحَدًا لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُمْ، وَمِنْهَا: الْوُضُوءُ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَخْصُوصَةِ، وَالتَّيَمُّمُ، وَإِبَاحَةُ الْغَنَائِمِ، وَأَنَّ كُلَّ الْأَرْضِ تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهَا، وَيَجُوزُ جَعْلُهَا مَسْجِدًا، وَمَجْمُوعُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَالتَّأْمِينُ خَلْفَ الْفَاتِحَةِ، وَالرُّكُوعُ وَأَنَّ صُفُوفَهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ، وَالْجُمُعَةُ وَسَاعَةُ الْإِجَابَةِ فِي يَوْمِهَا، وَرَمَضَانُ، وَنَظَرُ اللَّهِ لَهُمْ أَوَّلَهُ، وَتَزْيِينُ الْجَنَّةِ فِيهِ، وَخُلُوفُ أَفْوَاهِهِمْ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ