فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا قَالَ فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا ثُمَّ جَلَسَ فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا فَقَالَ عَلَى أَفْقَرَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاَللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا، فَضَحِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَك» . وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «فَاعْتِقْ رَقَبَةً فَصُمْ شَهْرَيْنِ فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا» بِالْأَمْرِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد «فَأُتِيَ بِعَرَقِ تَمْرٍ قَدْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا» ، وَالْعَرَقُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَالرَّاءِ مِكْتَلٌ يُنْسَجُ مِنْ خُصُوصِ النَّخْلِ وَتَعْبِيرِي بِالْوَاطِئِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالزَّوْجِ، وَإِضَافَةُ الصَّوْمِ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِي وَلَا شُبْهَةَ مِنْ زِيَادَتِي فَمَنْ أَدْرَكَ الْفَجْرَ مُجَامِعًا فَاسْتَدَامَ عَالِمًا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ جِمَاعَهُ وَإِنْ لَمْ يُفْسِدْ صَوْمَهُ هُوَ فِي مَعْنَى مَا يُفْسِدُهُ
ــ
[حاشية الجمل]
بَعْضُهُمْ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ أَيْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا تُعْتِقُ بِهِ. إلَخْ.
(قَوْلُهُ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ إلَخْ) قَالَ م ر وَلَوْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ وَجَدَ الرَّقَبَةَ نُدِبَ لَهُ عِتْقُهَا وَلَوْ شَرَعَ فِي الْإِطْعَامِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ نُدِبَ لَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: «ثُمَّ جَلَسَ» ) يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ وَهُوَ وَاقِفٌ. اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. إلَخْ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَتَى لَهُ هَدِيَّةً اتِّفَاقًا أَوْ أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ وَاحِدًا اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) وَهُمَا الْحَرَّتَانِ أَيْ الْجَبَلَانِ الْمُحِيطَانِ بِالْمَدِينَةِ.
وَفِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا بَيْنَ طُنُبَيْ الْمَدِينَةِ» وَهُوَ تَثْنِيَةُ " طُنُبٍ " بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ أَحَدُ أَطْنَابِ الْخَيْمَةِ وَاسْتَعَارَهُ لِلطَّرَفِ وَقَوْلُهُ: أَهْلُ هُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ أَحْوَجُ وَبَيْنَ لَابَتَيْهَا حَالٌ، وَيَجُوزُ كَوْنُهُ " مَا " حِجَازِيَّةٌ أَوْ تَمِيمِيَّةٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ " أَحْوَجُ " مَنْصُوبٌ، وَعَلَى الثَّانِي مَرْفُوعٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ خَبَرًا مُقَدَّمًا وَأَهْلُ مُبْتَدَأٌ وَأَحْوَجُ صِفَةٌ لِأَهْلِ وَيَتَعَيَّنُ عَلَى هَذَا رَفْعُ " أَحْوَجُ " عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ، وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ وَيَسْتَوِي عَلَى هَذَا الْحِجَازِيَّةُ وَالتَّمِيمِيَّةُ لِسَبْقِ الْخَبَرِ اهـ. ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: فَضَحِكَ) أَيْ تَبَسَّمَ، وَقَوْلُهُ: حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ أَيْ نَوَاجِذُهُ وَهَذَا مُبَالَغَةٌ فِي فَتْحِ فَمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّبَسُّمِ أَوْ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَصَلَ مِنْهُ قَهْقَهَةٌ لَكِنْ لَيْسَ مِثْلَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ نَادِرٌ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَك) ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْفَقِيرِ صَرْفُ كَفَّارَتِهِ إلَى عِيَالِهِ الَّذِينَ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ كَالزَّكَوَاتِ وَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَطْعِمْهُ أَهْلَك.
فَفِي الْأُمِّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَهُ بِفَقْرِهِ صَرَفَهُ لَهُ صَدَقَةً أَوْ أَنَّهُ مَلَّكَهُ إيَّاهُ وَأَمَرَهُ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ فَلَمَّا أَخْبَرَهُ بِفَقْرِهِ أَذِنَ لَهُ فِي صَرْفِهَا لَهُمْ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ الْكِفَايَةِ أَوْ أَنَّهُ تَطَوُّعَ بِالتَّكْفِيرِ عَنْهُ وَسَوَّغَ لَهُ صَرْفَهَا لِأَهْلِهِ إعْلَامًا بِأَنَّ لِغَيْرِ الْمُكَفِّرِ التَّطَوُّعُ بِالتَّكْفِيرِ عَنْهُ بِإِذْنِهِ وَأَنَّ لَهُ صَرْفَهَا لِأَهْلِ الْمُكَفَّرِ عَنْهُ أَيْ وَلَهُ فَيَأْكُلُ هُوَ وَهُمْ مِنْهَا كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَحَاصِلُ الِاحْتِمَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّهُ صَرَفَ لَهُ ذَلِكَ تَطَوُّعًا قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ نَعَمْ يَبْقَى الْكَلَامُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْعَدَدِ الْمَصْرُوفِ إلَيْهِ فَيَجُوزُ كَوْنُ عَدَدِ الْأَهْلِ سِتِّينَ مِسْكِينًا اهـ. شَرْحُ م ر
(قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ. إلَخْ) أَتَى بِهَا؛ لِأَنَّ فِيهَا صَرِيحَ الْأَمْرِ الدَّالِّ عَلَى الْوُجُوبِ الْمُدَّعَى فِي الْمَتْنِ وَقَوْلُهُ: فَأَعْتِقْ رَقَبَةً. إلَخْ أَيْ قَالَ ذَلِكَ بَدَلَ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً فَعَلَى هَذِهِ أُوِّلَ خِطَابُ النَّبِيِّ لَهُ فَأَعْتِقْ رَقَبَةً. إلَخْ وَأَتَى بِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُد لِأَجْلِ تَقْدِيرِ التَّمْرِ. اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: فَصُمْ شَهْرَيْنِ) أَيْ فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ إعْتَاقَ رَقَبَةٍ فَصُمْ، وَقَوْلُهُ: فَأَطْعِمْ أَيْ فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ صَوْمَ شَهْرَيْنِ فَأَطْعِمْ وَأَتَى بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ فِيهَا الْأَمْرَ وَانْظُرْ هَلْ كَانَ السَّائِلُ يُجِيبُهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ لَا أَسْتَطِيعُ أَمْ لَا رَاجِعْ.
(قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ) هُوَ الْمَشْهُورُ، وَالصَّوَابُ فِي الرِّوَايَةِ، وَاللُّغَةِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ ثُمَّ قَالَ وَرَوَاهُ كَثِيرٌ مِنْ شُيُوخِنَا وَغَيْرِهِمْ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ قَالَ، وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ وَيُقَالُ لِلْعَرَقِ الزَّبِيلُ بِفَتْحِ الزَّايِ مِنْ غَيْرِ نُونٍ، وَالزِّنْبِيلُ بِكَسْرِ الزَّايِ وَزِيَادَةِ نُونٍ وَيُقَالُ لَهُ الْقُفَّةُ، وَالْمِكْتَلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ، وَالسَّفِيفَةُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْفَاءَيْنِ قَالَ الْقَاضِي ابْنُ دُرَيْدٍ: وَيُسَمَّى أَيْضًا زِنْبِيلًا؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ فِيهِ الزِّبْلُ، وَالْعَرَقُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَا يَسَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَهِيَ سِتُّونَ مُدًّا لِسِتِّينَ مِسْكِينًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ اهـ. شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ.
وَأَمَّا الْفَرَقُ بِالْفَاءِ، وَالرَّاءِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ فَهُوَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ مِكْيَالٌ يُقَالُ: إنَّهُ يَسَعُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا اهـ. ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: مِكْتَلٌ) أَيْ ضَخْمٌ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَفَتْحِ التَّاءِ، وَيُقَالُ لَهُ مَكِيلٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْكَافِ وَبِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ السَّاكِنَةِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَتَعْبِيرِي بِالْوَاطِئِ أَعَمُّ) أَيْ لِشُمُولِهِ الزَّانِيَ وَالْوَاطِئَ بِالشُّبْهَةِ، وَالسَّيِّدَ فِي حَقِّ الْأَمَةِ. اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: فَمَنْ أَدْرَكَ الْفَجْرَ مُجَامِعًا. . . إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ فِيمَنْ أَدْرَكَ الْفَجْرَ مُجَامِعًا فَاسْتَدَامَ. . . إلَخْ أَوْ يُدْخِلُهُ فِي عُمُومِ قَوْلِ الْمَتْنِ بَعْدَ قَوْلِهِ بِإِفْسَادِ صَوْمِهِ بِأَنْ يَقُولَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَإِلَّا فَالتَّفْرِيعُ بِقَوْلِهِ فَمَنْ أَدْرَكَ. . . إلَخْ مُشْكِلٌ لِعَدَمِ انْعِقَادِهِ أَمَّا عَلَى مَا اخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ فَلَا إشْكَالَ اهـ. مِنْ ع ش عَلَى م ر.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر أَوْرَدَ عَلَى عَكْسِ هَذَا الضَّابِطِ مَا إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ فَإِنَّ الْأَصَحَّ فِي الْمَجْمُوعِ عَدَمُ انْعِقَادِ صَوْمِهِ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُفْسِدْ صَوْمًا وَيُجَابُ بِعَدَمِ وُرُودِهِ إنْ فُسِّرَ الْإِفْسَادُ بِمَا يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ تَجَوُّزًا بِخِلَافِ تَفْسِيرِهِ بِمَا يَرْفَعُهُ عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُفْسِدْهُ