أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَقَالَ: لَئِنْ بَقِيت إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ فَمَاتَ قَبْلَهُ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَيُسَنُّ مَعَ صَوْمِهِمَا صَوْمُ الْحَادِيَ عَشَرَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ.
(وَاثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ) ؛ لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَحَرَّى صَوْمَهُمَا وَقَالَ تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ
ــ
[حاشية الجمل]
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إلَّا رَمَضَانَ» قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَكْمِلْ ذَلِكَ لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُهُ اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ) عِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ احْتَسَبَ الْأَجْرَ عَلَى اللَّهِ ادَّخَرَهُ عِنْدَهُ لَا يَرْجُو ثَوَابَ الدُّنْيَا اهـ. ع ش وَالْمُنَاسِبُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الذُّخْرَ بِالْمُعْجَمَةِ لِمَا فِي الْآخِرَةِ وَبِالْمُهْمَلَةِ لِمَا فِي الدُّنْيَا أَنْ تَكُونَ الْعِبَارَةُ أَذْخَرَ بِالْمُعْجَمَةِ هَذَا وَيُمْكِنُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ أَحْتَسِبُ بِمَعْنَى أَرْجُو وَعَلَى بِمَعْنَى مِنْ. اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ. . . إلَخْ) الْمُرَادُ بِالسَّنَةِ الَّتِي قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ السَّنَةُ الَّتِي تَتِمُّ بِفَرَاغِ شَهْرِهِ وَبِالسَّنَةِ الَّتِي بَعْدَهُ السَّنَةُ الَّتِي أَوَّلُهَا الْمُحَرَّمُ الَّذِي يَلِي الشَّهْرَ الْمَذْكُورَ إذْ الْخِطَابُ الشَّرْعِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى عُرْفِ الشَّرْعِ وَعُرْفُهُ فِيهَا مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلِكَوْنِ السَّنَةِ الَّتِي قَبْلَهُ لَمْ تَتِمَّ إذْ بَعْضُهَا مُسْتَقْبَلٌ كَالسَّنَةِ الَّتِي بَعْدَهُ أَتَى مَعَ الْمُضَارِعِ بِأَنْ الْمَصْدَرِيَّةِ الَّتِي تُخَلِّصُهُ لِلِاسْتِقْبَالِ وَإِلَّا فَلَوْ تَمَّتْ الْأُولَى كَانَ الْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ فِيهَا بِلَفْظِ الْمَاضِي بِأَنْ يَقُولَ احْتَسَبْت قَالَ الْإِمَامُ، وَالْمُكَفَّرُ الصَّغَائِرُ دُونَ الْكَبَائِرِ.
قَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ: وَهَذَا مِنْهُ تَحَكُّمٌ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ، وَالْحَدِيثُ عَامٌّ وَفَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ لَا يُحْجَرُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» هَذَا قَوْلٌ عَامٌّ يُرْجَى بِهِ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ جَمِيعُ ذُنُوبِهِ صَغِيرُهَا وَكَبِيرُهَا، قَالَ الْمَاوَرْدِيِّ: وَلِلتَّكْفِيرِ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا الْغُفْرَانُ، وَالثَّانِي: الْعِصْمَةُ حَتَّى لَا يَعْصِيَ فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، وَالثَّانِي عَلَى السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ ثُمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّكْفِيرِ فِيمَنْ لَهُ صَغَائِرُ وَإِلَّا زِيدَ فِي حَسَنَاتِهِ اهـ. شَرْحُ م ر.
وَقَوْلُهُ: وَلِكَوْنِ السَّنَةِ الَّتِي قَبْلَهُ لَمْ تَتِمَّ. . . إلَخْ يُعَارِضُ هَذَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبَّرَ بِمِثْلِ هَذَا التَّعْبِيرِ فِي خَبَرِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ مَعَ أَنَّ السَّنَةَ فِيهِ قَدْ مَضَى جَمِيعُهَا بَلْ وَزِيَادَةٌ، وَالْوَجْهُ أَنَّ حِكْمَةَ التَّعْبِيرِ بِذَلِكَ فِيهَا كَوْنُ التَّكْفِيرِ مُطْلَقًا مُسْتَقْبَلًا بِالنِّسْبَةِ لِوَقْتِ تَرْغِيبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَوْمِهِمَا؛ لِأَنَّهُ مُرَتَّبٌ عَلَى الصَّوْمِ الَّذِي سَيُفْعَلُ بِتَرْغِيبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ الْمَاضِيَ هُنَا غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا لَا يَخْفَى فَالْمُضَارِعُ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ لِأَدَاءِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ فَتَأَمَّلْ اهـ. رَشِيدِيٌّ.
(فَائِدَةٌ)
قَالَ النَّوَوِيُّ قَدْ يُقَالُ إذَا كَفَّرَ الْوُضُوءُ الذُّنُوبَ فَمَاذَا تُكَفِّرُ الصَّلَاةُ وَالْجَمَاعَاتُ وَرَمَضَانُ وَصَوْمُ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَمُوَافَقَةُ تَأْمِينِ الْمَلَائِكَةِ فَقَدْ وَرَدَ فِي كُلٍّ أَنَّهُ يُكَفِّرُ قَالَ: وَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ صَالِحٌ لِلتَّكْفِيرِ فَإِنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنْ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً كُتِبَ بِهِ حَسَنَاتٌ وَرُفِعَتْ بِهِ دَرَجَاتٌ وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ رَجَوْنَا أَنْ يَحْتُتَ مِنْهَا. اهـ. مِنْ حَاشِيَةِ الْعَلْقَمِيِّ عَلَى الْجَامِعِ اهـ. ع ش ثُمَّ رَأَيْت بِهَامِشِ الْقَسْطَلَّانِيِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ بِخَطِّ أَبِي الْعِزِّ الْعَجَمِيِّ مَا نَصُّهُ " التَّحْقِيقُ فِي الْجَوَابِ أَنَّ النَّاسَ أَقْسَامٌ مَنْ لَا صَغَائِرَ لَهُ وَلَا كَبَائِرَ فَتُرْفَعُ دَرَجَاتُهُ، وَمَنْ لَهُ صَغَائِرُ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ إصْرَارٍ فَتَكْفِيرُهَا الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ كَالصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَمَنْ لَهُ كَبَائِرُ مَعَ صَغَائِرَ فَالْمُكَفَّرُ عَنْهُ بِالْأَعْمَالِ الصَّغَائِرُ فَقَطْ، وَمَنْ لَهُ كَبَائِرُ فَقَطْ فَيُكَفَّرُ مِنْهَا عَلَى قَدْرِ مَا كَانَ يُكَفَّرُ مِنْ الصَّغَائِرِ نَقَلَهُ السُّيُوطِيّ عَنْ الْبُلْقِينِيِّ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: إلَى قَابِلٍ) هُوَ مَصْرُوفٌ وَوَقَعَ لِبَعْضِهِمْ خِلَافُهُ فَاحْذَرْهُ فَإِنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ اهـ. ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ) اسْتَشْكَلَ عَلَى حَدِيثِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْيَهُودَ صَائِمِينَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَيَقُولُونَ إنَّ سَبَبَ ذَلِكَ ظُهُورُ مُوسَى وَغَرَقُ فِرْعَوْنَ فَقَالَ نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ» وَكَانَ دُخُولُهُ فِي رَبِيعٍ وَعَاشُورَاءُ فِي الْمُحَرَّمِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ وَجَدَهُمْ بَعْدَ اسْتِمْرَارِهِ إلَى وَقْتِهِ أَوْ أَنَّهُ أُخْبِرَ بِذَلِكَ أَوْ أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ سَفْرَةٍ كَانَ سَافَرَهَا بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَكَانَ دُخُولُهُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَمْ يَتَعَاطَ مُفْطِرًا، وَالنَّفَلُ تَجُوزُ نِيَّتُهُ بِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَاثْنَيْنِ) مَجْرُورٌ بِالْيَاءِ لِإِلْحَاقِهِ فِي الْإِعْرَابِ بِالْمُثَنَّى فَلَيْسَ مُنَوَّنًا. اهـ شَيْخُنَا وَسُمِّيَ الِاثْنَيْنِ لِأَنَّهُ ثَانِي أَيَّامِ إيجَادِ الْمَخْلُوقَاتِ غَيْرِ الْأَرْضِ، وَالْخَمِيسُ خَامِسُهَا، وَمَا قِيلَ؛ لِأَنَّهُ ثَانِي الْأُسْبُوعِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ أَوَّلَهُ الْأَحَدُ وَهُوَ مَرْجُوحٌ، وَالرَّاجِحُ أَنَّ أَوَّلَهُ السَّبْتُ كَمَا فِي بَابِ النَّذْرِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْخَمِيسِ؛ لِأَنَّ أَطْوَارَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّهَا كَانَتْ فِيهِ وَأَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ الْجُمُعَةُ ثُمَّ الِاثْنَيْنِ ثُمَّ الْخَمِيسُ ثُمَّ بَقِيَّةُ الْأَيَّامِ وَيُسَنُّ صَوْمُ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ مُطْلَقًا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى عَدَمِ هَلَاكِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا أَهْلَكَ فِيهِ مَنْ قَبْلَهَا وَيُسَنُّ أَيْضًا صَوْمُ يَوْمِ الْمِعْرَاجِ وَيَوْمٍ لَا يَجِدُ فِيهِ مَا يَأْكُلُهُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ) أَيْ تُعْرَضُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَا تُعْرَضُ فِي