ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» . وَخَبَرِ النَّسَائِيّ «صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَيْ مِنْ شَوَّالٍ بِشَهْرَيْنِ فَذَلِكَ صِيَامُ السَّنَةِ» أَيْ كَصِيَامِهَا فَرْضًا وَإِلَّا فَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا (وَاتِّصَالُهَا) بِيَوْمِ الْعِيدِ (أَفْضَلُ) مُبَادَرَةً لِلْعِبَادَةِ وَتَعْبِيرِي بِاتِّصَالِهَا أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِتَتَابُعِهَا لِشُمُولِهِ الْإِتْيَانِ بِهَا مُتَتَابِعَةً وَعَقِبَ الْعِيدِ.
(وَ) سُنَّ صَوْمُ (دَهْرٍ غَيْرِ عِيدٍ وَتَشْرِيقٍ إنْ لَمْ يَخَفْ بِهِ ضَرَرًا
ــ
[حاشية الجمل]
الْكَامِلُ الْمُرَتَّبُ عَلَى الْمَطْلُوبِ لَا سِيَّمَا مَنْ فَاتَهُ رَمَضَانُ وَصَامَ عَنْهُ شَوَّالًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ الْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمُ وَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ فَاتَهُ رَمَضَانُ وَصَامَ عَنْهُ شَوَّالًا أَنْ يَصُومَ سِتًّا مِنْ ذِي الْقَعْدَةَ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قَضَاءُ الصَّوْمِ الرَّاتِبِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ قَصَدَ فِعْلَهَا بَعْدَ صَوْمِ شَوَّالٍ فَيَكُونُ صَارِفًا عَنْ حُصُولِهَا عَنْ السِّتَّةِ فَيَسْقُطُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ صَوْمَهَا لَا يَحْصُلُ بِغَيْرِهَا أَمَّا إذَا قُلْنَا بِحُصُولِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَلَا يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهَا وَيُسَنُّ صَوْمُ آخِرِ كُلِّ شَهْرٍ كَمَا مَرَّ فِي صَوْمِ أَيَّامِ السُّودِ فَإِنْ صَامَهَا أَتَى بِالسُّنَّتَيْنِ وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ فَإِنَّهُ آخِرُ شَهْرٍ لِتَقَدُّمِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ أَتْبَعَهُ) أَيْ حَقِيقَةً إنْ صَامَهُ وَحُكْمًا إنْ أَفْطَرَهُ؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ يَقَعُ عَنْهُ فَكَأَنَّهُ مُقَدَّمٌ وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ وَأَطْعَمَ عَنْهُ ثُمَّ شُفِيَ يَوْمَ الْعِيدِ مَثَلًا ثُمَّ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ حَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ وَنَظِيرُهُ مَا قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِيمَنْ فَطَّرَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ شَخْصًا كَانَ كَمَنْ صَامَ الدَّهْرَ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَخَبَرُ النَّسَائِيّ. . . إلَخْ) أَتَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُبَيِّنٌ لِلْأَوَّلِ. اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: أَيْ كَصِيَامِهَا فَرْضًا) عِبَارَةُ حَجّ، وَالْمُرَادُ ثَوَابُ الْفَرْضِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِخُصُوصِيَّةِ سِتَّةِ شَوَّالٍ مَعْنًى إذْ مَنْ صَامَ مَعَ رَمَضَانَ سِتَّةً غَيْرَهَا يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ الدَّهْرِ لِمَا تَقَرَّرَ فَلَا تَتَمَيَّزُ تِلْكَ إلَّا بِذَلِكَ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ) أَيْ الْفَضْلُ الْمَذْكُورُ بِمَا ذُكِرَ أَيْ بِصِيَامِ رَمَضَانَ وَسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا بِسَنَةٍ بِوَاسِطَةِ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: لِشُمُولِهِ) أَيْ التَّعْبِيرِ بِالِاتِّصَالِ.
(قَوْلُهُ: وَسُنَّ صَوْمُ دَهْرٍ) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْعُمُرُ بِخِلَافِهِ فِي الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ السَّنَةُ. اهـ شَيْخُنَا وَفِي ع ش أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعُمُرُ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ أَيْ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَذَلِكَ أَمَّا لَوْ صَامَ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فِي بَعْضِ السِّنِينَ دُونَ بَعْضِ فَالسَّنَةُ الَّتِي صَامَ السِّتَّ فِيهَا يَكُونُ صَوْمُهَا كَسَنَةٍ وَاَلَّتِي لَمْ يَصُمْ فِيهَا يَكُونُ كَعَشَرَةِ أَشْهُرٍ اهـ. وَمَعَ نَدْبِهِ فَصَوْمُ يَوْمٍ وَفِطْرُ يَوْمٍ أَفْضَلُ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ كَالْغَزَالِيِّ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَفْضَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ دَاوُد كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا» اهـ. شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ: فَصَوْمُ يَوْمٍ وَفِطْرُ يَوْمٍ أَفْضَلُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَنْ فَعَلَهُ فَوَافَقَ فِطْرَهُ يَوْمًا سُنَّ صَوْمُهُ كَالِاثْنَيْنِ، وَالْخَمِيسِ، وَالْبِيضِ يَكُونُ فِطْرُهُ فِيهِ أَفْضَلُ لِيَتِمَّ لَهُ صَوْمُ يَوْمٍ وَفِطْرُ يَوْمٍ لَكِنْ بَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّ صَوْمَهُ لَهُ أَفْضَلُ اهـ. حَجّ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الشَّارِحِ مُوَافَقَةُ الْأَوَّلِ اهـ. ع ش عَلَيْهِ وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ انْعَقَدَ النَّذْرُ مَا لَمْ يَكُنْ الصَّوْمُ مَكْرُوهًا كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ اهـ. شَرْحُ م ر وَحَيْثُ انْعَقَدَ نَذْرُهُ لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ مَا يَشُقُّ مَعَهُ الصَّوْمُ أَوْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ خَوْفُ فَوْتِ حَقٍّ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَمْنَعُ انْعِقَادَ النَّذْرِ هَلْ يُؤَثِّرُ أَوْ لَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ مَعَ الْمَشَقَّةِ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِعَجْزِهِ عَنْهُ فِعْلِ مَا الْتَزَمَهُ وَلَيْسَ لَهُ وَقْتٌ يُمْكِنُ قَضَاؤُهُ فِيهِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الشَّارِحِ السَّابِقُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ.
وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ الْمُدِّ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ لِكِبَرٍ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ نَذَرَ صَوْمًا لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ وَلَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفِطْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهُ اهـ ع ش عَلَيْهِ وَفِي الْقَسْطَلَّانِيِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ دَاوُد» مَا نَصُّهُ: وَهَذَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْأَفْضَلِيَّةِ مُطْلَقًا فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ الدَّهْرِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَيَتَرَجَّحُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِأَنَّ صَوْمَ الدَّهْرِ قَدْ يُفَوِّتُ بَعْضَ الْحُقُوقِ وَبِأَنَّ مَنْ اعْتَادَهُ فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يَشُقُّ عَلَيْهِ بَلْ تَضْعُفُ شَهْوَتُهُ عَنْ الْأَكْلِ وَتَقِلُّ حَاجَتُهُ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ نَهَارًا وَيَأْلَفُ تَنَاوُلَهُ فِي اللَّيْلِ بِحَيْثُ يَتَجَدَّدُ لَهُ طَبْعٌ زَائِدٌ بِخِلَافِ مَنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْ فِطْرٍ إلَى صَوْمٍ وَمِنْ صَوْمٍ إلَى فِطْرٍ وَقَدْ نَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ أَشَقُّ الصَّوْمِ وَيَأْمَنُ مَعَ ذَلِكَ مِنْ تَفْوِيتِ الْحُقُوقِ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ إنَّك لَتُقِلُّ الصِّيَامَ فَقَالَ: إنِّي أَخَافُ أَنْ يُضْعِفَنِي عَنْ الْقِرَاءَةِ، وَالْقِرَاءَةُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الصِّيَامِ لَكِنْ فِي فَتَاوَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ صَوْمَ الدَّهْرِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا فَيَكُونُ أَكْثَرَ أَجْرًا وَمَا كَانَ أَكْثَرَ أَجْرًا كَانَ أَكْثَرَ ثَوَابًا.
وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ أَوَّلًا وَقَيَّدَهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَصُومَ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا وَأَنْ لَا يَرْغَبَ عَنْ السُّنَّةِ بِأَنْ يَجْعَلَ الصَّوْمَ حَجْرًا عَلَى نَفْسِهِ فَإِذَا أَمِنَ مِنْ ذَلِكَ فَالصَّوْمُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَعْمَالِ فَالِاسْتِكْثَارُ مِنْهُ زِيَادَةٌ فِي الْفَضْلِ وَقَوْلُهُ: فِي الْحَدِيثِ لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ أَيْ لَك وَذَلِكَ لِمَا عَلِمَ مِنْ حَالِهِ وَمُنْتَهَى قُوَّتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute