للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الَّتِي هِيَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: ٣] أَيْ الْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهِيَ فِي الْعَشْرِ الْمَذْكُورِ.

(وَمَيْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ حَادٍ أَوْ ثَالِثٍ وَعِشْرِينَ) مِنْهُ دَلَّ لِلْأَوَّلِ خَبَرُ الشَّيْخَيْنِ وَلِلثَّانِي خَبَرُ مُسْلِمٍ فَكُلُّ لَيْلَةٍ مِنْهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مُحْتَمِلَةٌ لَهَا لَكِنْ أَرْجَاهَا لَيَالِي الْوِتْرِ وَأَرْجَاهَا مِنْ لَيَالِي الْوِتْرِ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ فَمَذْهَبُهُ أَنَّهَا تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا، وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمَا: إنَّهَا تَنْتَقِلُ كُلَّ سَنَةٍ إلَى لَيْلَةٍ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَهُوَ قَوِيٌّ وَاخْتَارَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَالْفَتَاوَى وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ يَقْتَضِيهِ.

ــ

[حاشية الجمل]

مِنْ أَنَّهُ لَا يَنَالُ فَضْلَهَا إلَّا مَنْ اطَّلَعَ عَلَيْهَا فَمَنْ قَامَهَا وَلَمْ يَشْعُرْ بِهَا لَمْ يَنَلْ فَضْلَهَا رَدَّهُ جَمْعٌ بِتَصْرِيحِ الْمُتَوَلِّي بِخِلَافِهِ وَبِأَنَّ فِي مُسْلِمٍ «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَوَافَقَهَا» وَتَفْسِيرُ الْمُوَافَقَةِ بِالْعِلْمِ غَيْرُ مُسَاعِدٍ عَلَيْهِ مِنْ اللُّغَةِ وَفِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْ يَقُمْ الْحَوْلَ يُصِيبُهَا وَبِقَوْلِ أَصْحَابِنَا يُسَنُّ التَّعَبُّدُ فِي كُلِّ لَيَالِي الْعَشْرِ لِيَحُوزَ الْفَضِيلَةَ بِيَقِينٍ نَعَمْ يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ لَمْ يَنَلْ فَضْلَهَا عَلَى الْكَامِلِ فَلَا يُنَافِيهِ مَا ذُكِرَ انْتَهَتْ.

وَنُقِلَ فِي الْمَوَاهِبِ الْقَسْطَلَّانِيَّة عَنْ بَعْضِهِمْ إنَّ لَيْلَةَ مَوْلِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَأَيَّدَ ذَلِكَ بِأُمُورٍ فَلْيُحَرَّرْ اهـ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: الَّتِي هِيَ كَمَا قَالَ تَعَالَى. . . إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ غَرَضَهُ الِاسْتِدْلَال عَلَى عِلِّيَّةِ قَوْلِهِ لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ إذْ رُبَّمَا يُقَالُ إنَّهَا مُسَاوِيَةٌ لِغَيْرِهَا فَلَا تُنْتِجُ هَذِهِ الْعِلَّةُ أَفْضَلِيَّةَ الِاعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ وَقَوْلُهُ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . . إلَخْ كَانَ الْأَنْسَبُ الْعَطْفُ؛ لِأَنَّهُ مَسُوقٌ لِمَا سِيقَتْ لَهُ الْآيَةُ اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْ الْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ. . . إلَخْ) وَهَلْ الْعَمَلُ فِي يَوْمِهَا خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا يَوْمُ قَدْرٍ قِيَاسًا عَلَى اللَّيْلِ ظَاهِرُ التَّشْبِيهِ أَنَّهُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ فَلْيُرَاجَعْ اهـ. ع ش عَلَى م ر.

(قَوْلُهُ: فِي أَلْفِ شَهْرٍ) وَهِيَ ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً وَثُلُثٌ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَقَوْلُهُ: لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ أَيْ وَإِلَّا لَزِمَ تَفْضِيلُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ بِمَرَاتِبَ قَالَ الْقَلْيُوبِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأَلْفَ شَهْرٍ كَامِلَةٌ وَأَنَّهُ تُبَدَّلُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ بِلَيْلَةِ غَيْرِهَا وَيُحْتَمَلُ نُقْصَانُهَا، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْأَشْهُرِ الْعَرَبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْصَرِفُ إلَيْهَا الِاسْمُ شَرْعًا اهـ. (قَوْلُهُ: مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ. . . إلَخْ) فَإِنْ قُلْت لَفْظُ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ هَلْ يَقْتَضِي قِيَامَ تَمَامِ اللَّيْلَةِ أَوْ يَكْفِي أَقَلُّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْقِيَامِ فِيهَا قُلْت يَكْفِي الْأَقَلُّ وَعَلَيْهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ حَتَّى قِيلَ بِكِفَايَةِ أَدَاءِ فَرْضِ الْعِشَاءِ فِي جَمَاعَةٍ عَنْ الْقِيَامِ فِيهَا لَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ عُرْفًا أَنَّهُ لَا يُقَالُ قَامَ اللَّيْلَةَ إلَّا إذَا قَامَ كُلَّهَا أَوْ أَكْثَرَهَا فَإِنْ قُلْت مَا مَعْنَى الْقِيَامِ فِيهَا إذْ ظَاهِرُهُ غَيْرُ مُرَادٍ قَطْعًا قُلْت الْقِيَامُ الطَّاعَةُ فَإِنَّهُ مَعْهُودٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: ٢٣٨] وَهُوَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِيهِ اهـ. كَرْمَانِيٌّ عَلَى الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: إيمَانًا) أَيْ تَصْدِيقًا بِأَنَّهَا حَقٌّ وَطَاعَةٌ وَاحْتِسَابًا أَيْ طَلَبًا لِرِضَى اللَّهِ وَثَوَابِهِ لَا رِيَاءً وَسُمْعَةً وَنَصْبُهُمَا عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ أَوْ التَّمْيِيزِ أَوْ الْحَالِ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ وَعَلَيْهِ فَهُمَا حَالَانِ مُتَدَاخِلَانِ أَوْ مُتَرَادِفَانِ، وَالنُّكْتَةُ فِي وُقُوعِ الْجَزَاءِ مَاضِيًا مَعَ أَنَّهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَنَّهُ مُتَيَقَّنُ الْوُقُوعِ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ اهـ. ز ي اهـ. ع ش عَلَى م ر فَإِنْ قُلْت كُلٌّ مِنْ اللَّفْظَيْنِ يُغْنِي عَنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَكُونُ إلَّا مُحْتَسِبًا، وَالْمُحْتَسِبُ لَا يَكُونُ إلَّا مُؤْمِنًا فَهَلْ فِيهِ فَائِدَةٌ غَيْرُ التَّأْكِيدِ أَمْ لَا؟ قُلْت: الْمُصَدِّقُ بِالشَّيْءِ رُبَّمَا لَا يَفْعَلُهُ مُخْلِصًا بَلْ لِرِيَاءٍ وَنَحْوِهِ، وَالْمُخْلِصُ فِي الْفِعْلِ رُبَّمَا لَا يَكُونُ مُصَدِّقًا بِثَوَابِهِ وَلَكِنَّهُ يَفْعَلُهُ طَاعَةً مَأْمُورًا بِهَا سَبَبًا لِلْمَغْفِرَةِ وَنَحْوِهِ أَوْ الْفَائِدَةُ هِيَ التَّأْكِيدُ وَنِعْمَ الْفَائِدَةُ اهـ. كَرْمَانِيٌّ عَلَى الْبُخَارِيِّ اهـ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) أَيْ مِنْ صِغَارِ ذَنْبِهِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ مِنْ غُفْرَانِ الذُّنُوبِ بِقَرِينَةِ التَّقْيِيدِ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ بِمَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَمَيْلُ الشَّافِعِيِّ. إلَخْ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ: إلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ حَادٍ. إلَخْ خَبَرُهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ لِلْإِمَامِ أَيْ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إنَّهَا لَيْلَةُ حَادٍ وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إنَّهَا لَيْلَةُ ثَالِثٍ وَهَذَا مَا فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ مَيْلَهُ إلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ حَادٍ وَعِشْرِينَ لَا غَيْرُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَشَرْحُ م ر ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا تَكُونُ عِنْدَ كُلِّ قَوْمٍ بِحَسَبِ لَيْلِهِمْ فَإِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ عِنْدَنَا نَهَارًا لِغَيْرِنَا تَأَخَّرَتْ الْإِجَابَةُ وَالثَّوَابُ إلَى أَنْ يَدْخُلَ اللَّيْلُ عِنْدَهُمْ وَيُحْتَمَلُ لُزُومُهَا لِوَقْتٍ وَإِنْ كَانَ نَهَارًا بِالنِّسْبَةِ لِقَوْمٍ وَلَيْلًا بِالنِّسْبَةِ لِآخَرِينَ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِيَنْطَبِقَ عَلَيْهِ مُسَمَّى اللَّيْلِ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا أَخْذًا مِمَّا قِيلَ فِي سَاعَةِ الْإِجَابَةِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَوْقَاتِ الْخُطَبَاءِ اهـ. ع ش عَلَى م ر.

(قَوْلُهُ: فَكُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَشْرِ فَهِيَ مَحْصُورَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي الْعَشْرِ لَا تَكُونُ فِي غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ: إنَّهَا تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا مَعْنَاهُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي الْوَاقِعِ لَيْلَةَ حَادٍ وَعِشْرِينَ مَثَلًا تَكُونُ كُلَّ عَامٍ كَذَلِكَ لَا تَنْتَقِلُ عَنْ هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَقَوْلُهُ: إنَّهَا تَنْتَقِلُ كُلَّ سَنَةٍ أَيْ فِي لَيَالِ الْعَشْرِ بِمَعْنَى أَنَّهَا تَارَةً لَيْلَةَ حَادٍ وَعِشْرِينَ وَتَارَةً غَيْرَهَا مِنْ بَقِيَّةِ الْعَشْرِ فَهِيَ مَحْصُورَةٌ فِي الْعَشْرِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا وَإِنَّمَا الْمُخَالَفَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ فِي اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ. اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: فَمَذْهَبُهُ. . . إلَخْ) لَا وَجْهَ لِهَذَا التَّفْرِيعِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَمَذْهَبُهُ. . . إلَخْ (قَوْلُهُ: إنَّهَا تَنْتَقِلُ كُلَّ سَنَةٍ) لَوْ تَرَكَ هَذَا الْقَيْدَ لَكَانَ أَوْلَى لِيَدْخُلَ تَوَافُقُ سَنَتَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>