للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِمَزِيدِ فَضْلِهِ عَلَيْهِمَا وَتَعَلُّقِ النُّسُكِ بِهِ (وَ) يَقُومُ (الثَّانِي) وَهُوَ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ (مَقَامَ الثَّالِثِ) لِمَزِيدِ فَضْلِهِ عَلَيْهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ مَاجَهْ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَقُومُ الْأَخِيرَانِ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَلَا الثَّالِثُ مَقَامَ الثَّانِي وَأَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ مَسْجِدًا غَيْرَ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَلَوْ عَيَّنَ زَمَنَ الِاعْتِكَافِ فِي نَذْرِهِ تَعَيَّنَ.

(وَ) ثَالِثُهَا (لُبْثُ قَدْرٍ يُسَمَّى عُكُوفًا) أَيْ إقَامَةً وَلَوْ بِلَا سُكُونٍ بِحَيْثُ يَكُونُ زَمَنُهَا فَوْقَ زَمَنِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَنَحْوِهِ

ــ

[حاشية الجمل]

الثَّلَاثَةِ قَالَ وَمُرَادِي بِالْفَضْلِ مَا شَهِدَ الشَّرْعُ بِاعْتِبَارِهِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الْبِلَادِ فَلَا تُشَدُّ إلَيْهَا لِذَاتِهَا بَلْ لِزِيَارَةٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ أَوْ الْمُبَاحَاتِ وَقَدْ الْتَبَسَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِهِمْ فَزَعَمَ أَنَّ شَدَّ الرِّحَالِ إلَى الزِّيَارَةِ لِمَنْ فِي غَيْرِ الثَّلَاثَةِ كَسَيِّدِي أَحْمَدَ الْبَدَوِيِّ وَنَحْوه دَاخِلٌ فِي الْمَنْعِ وَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَى مَسْجِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ أَوْ إلَى مَكَان مِنْ الْأَمْكِنَةِ لِأَجْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ إلَّا إلَى الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ وَشَدُّ الرِّحَالِ لِزِيَارَةٍ أَوْ طَلَبِ عِلْمٍ لَيْسَ إلَى الْمَكَانِ بَلْ لِمَنْ فِي الْمَكَانِ فَلْيُفْهَمْ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ

(قَوْلُهُ: لِمَزِيدِ فَضْلِهِ عَلَيْهِمَا) عِبَارَةُ حَجّ لِزِيَادَةِ فَضْلِهِ وَالْمُضَاعَفَةِ فِيهِ إذْ الصَّلَاةُ فِيهِ بِمِائَةِ أَلْفِ أَلْفِ أَلْفٍ ثَلَاثًا فِيمَا سِوَى الْمَسْجِدَيْنِ الْآتِيَيْنِ كَمَا أَخَذْته مِنْ الْأَحَادِيثِ وَبَسَطْته فِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ انْتَهَتْ، وَظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ الْمُضَاعَفَةِ بِالصَّلَاةِ فَقَطْ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ شَيْخُنَا ح ل فِي سِيرَتِهِ وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِ عَدَمُ اخْتِصَاصِ الْمُضَاعَفَةِ بِهَا بَلْ تَشْمَلُ جَمِيعَ الطَّاعَاتِ فَلْيُرَاجَعْ اهـ. ع ش عَلَى م ر.

وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ وَاَلَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَمِنْ مِائَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمِنْ مِائَةِ أَلْفٍ فِي غَيْرِهِمَا وَإِنَّهَا فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتَيْنِ فِي مَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهَا وَأَنَّهَا فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى أَفْضَلُ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ فِي غَيْرِهَا وَذَكَرَ الْعَلَامَةُ حَجّ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ الْأَحَادِيثِ غَيْرِ الْمَذْكُورَةِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) أَيْ وَإِلَّا الْأَقْصَى أَيْضًا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ بِخَمْسِمِائَةٍ فِيمَا سِوَاهُ غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ. اهـ. حَلَبِيٌّ

(فَائِدَةٌ)

قَالَ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِهِ قَوْله تَعَالَى {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} [آل عمران: ٩٧] قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - آيَةً بَيِّنَةً عَلَى الْوِحْدَانِ وَأَرَادَ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَحْدَهُ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ بِالْجَمْعِ فَذُكِرَ مِنْهَا مَقَامُ إبْرَاهِيمَ وَهُوَ الْحَجَرُ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ عِنْدَ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ وَكَانَ أَثَرُ قَدَمَيْهِ فِيهِ فَانْدَرَسَ مِنْ كَثْرَةِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ بِالْأَيْدِي وَمِنْ تِلْكَ الْآيَاتِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ، وَالْحَطِيمُ وَزَمْزَمَ، وَالْمَشَاعِرُ كُلُّهَا وَقِيلَ مَقَامُ إبْرَاهِيمَ جَمِيعُ الْحَرَمِ وَمِنْ الْآيَاتِ فِي الْبَيْتِ أَنَّ الطَّائِرَ يَطِيرُ وَلَا يَعْلُو فَوْقَهُ وَأَنَّ الْجَارِحَةَ تَقْصِدُ صَيْدًا فَإِذَا دَخَلَ الْحَرَمَ كَفَّتْ عَنْهُ وَأَنَّهُ بَلَدُ صَدَرَ إلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ، وَالْأَوْلِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ، وَأَنَّ الصَّدَقَةَ وَالطَّاعَةَ تُضَاعَفُ فِيهِ بِمِائَةِ أَلْفٍ اِ هـ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُضَاعَفَةَ بِالْعَدَدِ الْمَذْكُورِ لَا تَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَقَوْلُهُ: فَانْدَرَسَ مِنْ كَثْرَةِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ بِالْأَيْدِي هَذَا خِلَافُ الْوَاقِعِ الْمُشَاهَدِ فَقَدْ رَأَيْته عَيَانًا وَغَوْصُ الْقَدَمَيْنِ فِيهِ بِقَدْرِ عَرْضِ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ وَبَيْنَ الْقَدَمَيْنِ نَحْوُ نِصْفِ شِبْرٍ وَلَعَلَّ الشَّيْخَ لَمْ يَرَهُ وَإِنَّمَا سَمِعَ مَا قَالَهُ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ فَقَلَّدَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ مَسْجِدًا غَيْرَ الثَّلَاثَةِ) أَيْ وَلَوْ مَسْجِدَ قُبَاءَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَهَذَا عُلِمَ مِنْ ذِكْرِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ كَانَ مَفْهُومَ لَقَبٍ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ عَيَّنَ زَمَنَ الِاعْتِكَافِ. . . إلَخْ هَذَا مَفْهُومُ الْمَكَانِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ عَيَّنَ مَسْجِدَ مَكَّةَ. . . إلَخْ. اهـ شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ: لَمْ يَتَعَيَّنْ) وَإِلْحَاقُ الْبَغَوِيّ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ سَائِرَ مَسَاجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْخَبَرَ وَكَلَامَ غَيْرِهِ يَأْبَيَانِهِ وَبِهِ يُعْلَمُ رَدُّ إلْحَاقِ بَعْضِهِمْ مَسْجِدَ قُبَاءَ بِالثَّلَاثَةِ وَإِنْ صَحَّ خَبَرُ صَلَاةٌ فِيهِ كَعُمْرَةٍ، وَلَوْ خَصَّ نَذْرَهُ بِوَاحِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ الَّتِي أُلْحِقَتْ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ فَالْأَوْجَهُ قِيَامُ غَيْرِهِ مِنْهَا مَقَامَهُ لِتَسَاوِيهَا فِي فَضِيلَةِ نِسْبَتِهَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَيَّنَ زَمَنَ الِاعْتِكَافِ فِي نَذْرِهِ تَعَيَّنَ) فَلَوْ قَدَّمَهُ لَمْ يَصِحَّ أَوْ أَخَّرَهُ فَضَاهُ وَأَثِمَ بِتَعَمُّدِهِ اهـ. شَرْحُ م ر وَلَوْ فَاتَهُ بِعُذْرٍ لَا يَأْثَمُ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ اهـ. ع ش عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ: وَلَبِثَ قَدْرَ. إلَخْ) فِي الْمُخْتَارِ لَبِثَ أَيْ مَكَثَ وَبَابُهُ فَهِمَ وَلَبَاثًّا أَيْضًا بِالْفَتْحِ فَهُوَ لَابِثٌ وَلَبِثَ أَيْضًا بِكَسْرِ الْبَاءِ اهـ.

وَفِي الْمِصْبَاحِ لَبِثَ بِالْمَكَانِ لَبَثًا مِنْ بَابِ تَعِبَ وَجَاءَ فِي الْمَصْدَرِ السُّكُونُ لِلتَّخْفِيفِ، وَاللَّبْثَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ وَبِالْكَسْرِ الْهَيْئَةُ وَالنَّوْعُ، وَالِاسْمُ اللُّبْثُ بِالضَّمِّ، وَاللَّبَاثُ بِالْفَتْحِ وَتَلَبَّثْت بِمَعْنَاهُ يَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وَالتَّضْعِيفِ فَيُقَالُ أَلْبَثْتُهُ وَلَبَّثْتُهُ اهـ.

(قَوْلُهُ: أَيْضًا وَلَبِثَ قَدْرًا يُسَمَّى عُكُوفًا) وَعَلَيْهِ فَلَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَاصِدًا الْجُلُوسَ فِي مَحَلٍّ مِنْهُ اُشْتُرِطَ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ تَأْخِيرُ النِّيَّةِ إلَى مَوْضِعِ جُلُوسِهِ أَوْ مُكْثِهِ عَقِبَ دُخُولِهِ قَدْرًا يُسَمَّى عُكُوفًا لِتَكُونَ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِلِاعْتِكَافِ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى حَالَ دُخُولِهِ وَهُوَ سَائِرٌ لِعَدَمِ مُقَارَنَةِ النِّيَّةِ لِلِاعْتِكَافِ كَذَا بُحِثَ فَلْيُرَاجَعْ أَقُولُ وَيَنْبَغِي الصِّحَّةُ مُطْلَقًا لِتَحْرِيمِهِمْ ذَلِكَ عَلَى الْجُنُبِ حَيْثُ جَعَلُوهُ مُكْثًا

<<  <  ج: ص:  >  >>