(وَالْجَامِعُ أَوْلَى) مِنْ بَقِيَّةِ الْمَسَاجِدِ لِكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ وَلِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى الْخُرُوجِ لِلْجُمُعَةِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ بَلْ لَوْ نَذَرَ مُدَّةً مُتَتَابِعَةً فِيهَا يَوْمُ جُمُعَةٍ وَكَانَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْخُرُوجَ لَهَا وَجَبَ الْجَامِعُ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ لَهَا يُبْطِلُ تَتَابُعَهُ.
(وَلَوْ عَيَّنَ) النَّاذِرُ (فِي نَذْرِهِ مَسْجِدَ مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ الْأَقْصَى تَعَيَّنَ) فَلَا يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا لِمَزِيدِ فَضْلِهَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (وَيَقُومُ الْأَوَّلُ) وَهُوَ مَسْجِدُ مَكَّةَ (مَقَامَ الْأَخِيرَيْنِ)
ــ
[حاشية الجمل]
كُنَّ يَعْتَكِفْنَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ كَفِي بُيُوتِهِنَّ لَكَانَتْ أَسْتَرُ لَهُنَّ، وَالْقَدِيمُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مَكَانُ صَلَاتِهَا كَمَا أَنَّ الْمَسْجِدَ مَكَانُ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِمَحِلٍّ بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ، وَالْخُنْثَى كَالرَّجُلِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ اعْتِكَافِهَا فِي بَيْتِهَا يَكُونُ الْمَسْجِدُ لَهَا أَفْضَلَ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: وَالْجَامِعُ) أَيْ وَالْمَسْجِدُ الْجَامِعُ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ أَوْلَى أَيْ وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ أَكْثَرُ جَمَاعَةً مِنْهُ أَوْ كَانَ زَمَنُ الِاعْتِكَافِ دُونَ أُسْبُوعٍ أَوْ كَانَ الْمُعْتَكِفُ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ أَوْلَوِيَّةِ الْجَامِعِ مَا لَوْ عَيَّنَ غَيْرَهُ فَالْمُعَيَّنُ أَوْلَى إنْ لَمْ يَحْتَجْ لِخُرُوجِهِ لِلْجُمُعَةِ اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: وَلِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى الْخُرُوجِ لِلْجُمُعَةِ) وَإِذَا خَرَجَ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ الْجَامِعِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُغْتَفَرَ لَهُ بَعْدَ فِعْلِهَا مَا وَرَدَ الْحَثُّ عَلَى طَلَبِهِ مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَالْإِخْلَاصِ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ دُونَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ كَالسُّنَّةِ الْبَعْدِيَّةِ، وَالتَّسْبِيحَاتِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ مِنْ مَحَلِّ اعْتِكَافِهِ لِلْجُمُعَةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُمْكِنُ إدْرَاكُ الْجُمُعَةِ فِيهِ دُونَ مَا زَادَ عَلَيْهِ وَإِنْ فَوَّتَ التَّبْكِيرَ؛ لِأَنَّ فِي الِاعْتِكَافِ جَابِرًا لَهُ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: مَسْجِدَ مَكَّةَ) الْمُرَادُ بِمَسْجِدِ مَكَّةَ الْكَعْبَةُ، وَالْمَسْجِدُ حَوْلَهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَعَلَيْهِ لَا يَتَعَيَّنُ جُزْءٌ مِنْ الْمَسْجِدِ بِالتَّعْيِينِ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَجْزَاءِ فَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا فِي الْكَعْبَةِ أَجْزَأَهُ فِي أَطْرَافِ الْمَسْجِدِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ نَذَرَ صَلَاةً فِيهَا فَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ الظَّاهِرُ تَعَيُّنُهَا ضَعِيفٌ اهـ. شَرْحُ م ر وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ يَتَحَصَّلُ فِي الْمُرَادِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي تُضَاعَفُ فِيهِ الصَّلَاةُ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ أَنَّهُ الْمَكَانُ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ الْإِقَامَةُ فِيهِ الثَّانِي أَنَّهُ مَكَّةُ الثَّالِثُ أَنَّهُ الْحَرَمُ كُلُّهُ الرَّابِعُ أَنَّهُ الْكَعْبَةُ الْخَامِسُ أَنَّهُ الْكَعْبَةُ وَمَا فِي الْحِجْرِ مِنْ الْبَيْتِ السَّادِسُ أَنَّهُ الْكَعْبَةُ، وَالْمَسْجِدُ حَوْلَهَا السَّابِعُ أَنَّهُ جَمِيعُ الْحَرَمِ وَعَرَفَةَ اهـ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ الْمَدِينَةِ) الْمُرَادُ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالتَّفْضِيلُ وَالتَّضْعِيفُ مُخْتَصٌّ بِهِ دُونَ الْقَدْرِ الَّذِي زِيدَ كَمَا رَآهُ الْمُصَنِّفُ لِلْإِشَارَةِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ مَسْجِدِي هَذَا وَرَأَى جَمَاعَةٌ عَدَمَ الِاخْتِصَاصِ وَأَنَّهُ لَوْ وُسِّعَ مَهْمَا وُسِّعَ فَهُوَ مَسْجِدُهُ كَمَا فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ إذَا وُسِّعَ فَتِلْكَ الْفَضِيلَةُ ثَابِتَةٌ لَهُ. اهـ. شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ مَا كَانَ. . . إلَخْ هُوَ الْمُعْتَمَدُ بَقِيَ هَلْ مَحَلُّ تَعَيُّنِ مَسْجِدُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا إذَا عَيَّنَهُ كَأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِهِ أَوْ أَرَادَ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَطْلَقَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ لَفْظًا وَنِيَّةً فَلَا يَتَعَيَّنُ لِصِدْقِهِ بِالزِّيَادَةِ الَّتِي حُكْمُهَا كَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ لِعَدَمِ الْمُضَاعَفَةِ فِيهَا فِيهِ نَظَرٌ اهـ. سم عَلَى حَجّ.
وَالْأَقْرَبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْفَضْلُ الْمَذْكُورُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لَفْظُ النَّاذِرِ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ تَخْصِيصِهِ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ بِالذِّكْرِ إنَّمَا هُوَ لِإِرَادَةِ زِيَادَةِ الثَّوَابِ اهـ. ع ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا) بَلْ يَنْتَظِرُ إمْكَانَ الذَّهَابِ إلَيْهَا فَمَتَى أَمْكَنَهُ فَعَلَهُ ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ عَيَّنَ فِي نَذْرِهِ زَمَنًا فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ عَيَّنَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الِاعْتِكَافُ فِيهِ صَارَ قَضَاءً وَيَجِبُ فِعْلُهُ مَتَى أَمْكَنَ اهـ. ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ) أَيْ لَا يَجُوزُ كَذَا قَالَ الْقَفَّالُ وَنُقِلَ أَيْضًا عَنْ الْجُوَيْنِيِّ وَقَالَ الْعَلَامَةُ حَجّ الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ فِي الْحَدِيثِ الْكَرَاهَةُ فَقَطْ وَنَقَلَهُ عَنْ الْعُبَابِ فِي بَابِ الْجَنَائِزِ وَصَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ م ر فِي بَابِ النَّذْرِ وَنُقِلَ عَنْ الْعَلَّامَةِ ح ل عَدَمُ الْكَرَاهَةِ.
وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ» أَيْ لِلصَّلَاةِ فِيهَا فَلَا يُنَافِي شَدَّ الرِّحَالِ لِغَيْرِهَا، وَقَالَ الْبَهْنَسِيُّ هُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ وَقِيلَ لِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ لَا نَهْيٌ.
قَالَ النَّوَوِيُّ وَمَعْنَاهُ لَا فَضِيلَةَ فِي شَدِّ الرِّحَالِ إلَى مَسْجِدٍ غَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَنَقَلَهُ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ مِنْ أَحْسَنِ مَحَامِلِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ حُكْمُ الْمَسَاجِدِ فَقَطْ فَإِنَّهُ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَى مَسْجِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ غَيْرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا قَصْدُ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ مِنْ الرِّحْلَةِ لِطَلَبِ الْعِلْمِ وَزِيَارَةِ الصَّالِحِينَ، وَالْإِخْوَانِ، وَالتِّجَارَةِ وَالتَّنَزُّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَيْسَ دَاخِلًا فِيهِ وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «لَا يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي أَنْ يَشُدَّ رِحَالَهُ إلَى مَسْجِدٍ يَبْتَغِي فِيهِ الصَّلَاةَ غَيْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا» وَفِي رِوَايَةٍ «لَا يَنْبَغِي لِلْمَطِيِّ أَنْ تُشَدَّ رِحَالُهَا» . إلَخْ قَالَ السُّبْكِيُّ وَلَيْسَ فِي الْأَرْضِ بُقْعَةٌ فِيهَا فَضْلٌ لِذَاتِهَا حَتَّى تُشَدَّ الرِّحَالُ إلَيْهَا لِذَلِكَ الْفَضْلِ غَيْرِ الْبِلَادِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute