عن المسيح الملك، ولوقا كتب عن ظهوره في أورشليم، لأنه كتب عن المسيح مخلص جميع الأمم مبتدئاًَ من أورشليم، ويوحنا كتب عن ظهوره في اليهودية والجليل لأنه كتب عن المسيح ابن الله الأبدي صخر الدهر، ومرقس كتب عن ظهور المسيح للتلاميذ في فترات منقطعة، ليشدد عزائمهم للقيام بالخدمة التي تنتظرهم، لأنه كتب عن المسيح الذي جاء ليخدم البشرية، ويرفعها إلى مستوى الكمال. كل هذا لكي يوقع البشيرون الأربعة نعمة مشعبة متنوعة العناصر لانشودة القيامة المجيدة فلئن تنوعت روايتهم إلا أنها لا تتناقض".
وهذا أشبه بالتعلات التي لا تناقش، ولا تقوى أمام النظر المنطقي المستقيم، ولكنها تقبل في الخطابيات، فهي كالزهرة ترى وتشم، ولكن لا تعرك، وذلك لأن هذا التوفيق يقوم على قضيتين:
أحداهما: أن كل إنجيل كتب لغرض معين لا يشمل في عمومه ما كتب له الإنجيل الآخر.
وثانيهما: أن كلاً ذكر المكان الذي يتفق مع غرضه، وإذن فلا اختلاف في الخبر.
وهذا الكلام فيه نظر في مقدمته ونتيجته، وذلك لأنه لو كان متى كتب يخبر عن المسيح الملك، ولوقا عن المسيح المخلص، وهكذا لكان كل إنجيل مغايراً للأناجيل الأخرى تمام المغايرة، مبايناً له تمام المباينة، لأنه يكتب في موضوع يخالف ما يكتب فيه الآخر، وإن كان الشخص واحداً، كان يكتب كتاب عن شخص بارز في السياسة والقانون. فكانت يكتب عنه سياسياً، وآخر يكتب قانونياً فالموضوع يختلف، وإن كان الشخص متخذا، ولكنا لا نجد في الأناجيل في مجموعها ذلك التغاير، وعلى فرض تسليم تلك القضية لا نستطيع أن نسلم القضية الثانية، وهي أن الجليل يناسب المسيح الملك، وأورشليم تناسب المسيح المخلص، وهكذا. فلماذا اختصت هذه بالملك وتلك بالخلاص؟ إن ذلك التخصيص تحكم لا يعتمد على منطق، وعلى فرض صحة المقدمتين، فإن النتيجة لا تنبني عليهما، أن النتيجة اختلاف ذكر الأمكنة في حادثة معينة والشهادة بها، فأحد الشهود يقول: إنه رآه في الجليل، وآخر يشهد بوجوده بين التلاميذ في فترات متقطعة، وثالث يشهد بوجوده في أورشليم، وإذا اختلف الشهود