وهو الدكتور بوست زادا علة هؤلاء: وقد أنكر بعض الكفار قانونية هذا الإنجيل، لكراهتهم تعليمه الروحي، ولاسيما تصريحه الواضح بلاهوت المسيح، غير أن الشهادة بصحته كافيه، فإن بطرس يشير إلى آية منه (٢ بط ١: ١٤ قال يو ٢١، ١٨، واغناطيوس وبوليكرس يقتطفان من روحه وفحواه. وكذلك الرسالة إلى ديو كنيتس وباسيلوس وجوستينس الشهيد وتانياس، وهذه الشواهد يرجع بنا زمانها إلى منتصف القرن الثاني، وبناء على هذه الشهادات، وعلى نفس كتابه الذي يوافق ما نعلمه من سيرة يوحنا نحكم بأنه من قلمه، وإلا فكاتبه من المكر والغش على جانب عظيم، وهذا الأمر يعسر تصديقه، لأن الذي يقصد أن يغش العالم لا يكون روحياً، ولا يتصل إلى علم وعمق الأفكار والصلات الموجود فيه، وإذا قابلناه بمؤلفات الآباء رأينا بينه وبينها بونا عظيماً، حتى نضطر للحكم بأنه لم يكن منهم من كان قادراً على تأليف كذا، بل لم يكن بين التلاميذ من يقدر عليه يوحنا إلا يوحنا، ويوحنا ذاته لا يستطيع تأليفه بدون إلهام من ربه".
وإذا نظرنا إلى هذا القول نظرة فاحصة كاشفة نقسمه قسمين، قسم يعلن به الكاتب شدة إيمانه وتعصبه بما يشتمل عليه هذا الكتاب وتقديسه. وهو القسم الذي ذكره في عجز قوله، وهو إنه لا يستطيع احد من الآباء، بل لا يستطيعه أحد من الحواريين، بل لا يستطيعه الكاتب نفسه إلا بالهام من ربه، ويلحق بهذا الجزء ما سبقه مما يماثله، فإن من الخطأ لأن يعد ذلك برهنه واحتجاجاً، فإنه ليس فيه أية محاولة لها، أما القسم الثاني فهو مل يصح أن يعتبر محاولة للاستدلال وهو ما ذكر في صدر قوله، فإنه يقرر الاتفاق بين نص جاء فيه، ونص جاء في رسالة بطرس الثانية، فهو يقول: أن الفقرة الرابعة من الإصحاح الأول ونصها مع الفقرة التي قبلها: "١٣ - ولكني أحسبه حقاً ما دمت في هذا المسكن أن أنهضكم بالتذكرة - ١٤ - عالماً أن خلع مسكني قريب، كما أعلن ربنا يسوع المسيح أيضاً" موافقة للفقرة الثامنة عشرة من الإصحاح الحادي والعشرين من إنجيل يوحنا ونصها: "الحق الحق أقول لك لما كنت أكثر حداثة كنت تنطق ذلك، وتمشي حيث تشاء، ولكن متى شخت فإنك تمد يدك، وآخر بمنطقك، ويحملك حيث لا تشاء".