للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٦- من داود إلى المسيح عليهما السلام ستة وعشرون جيلاً على ما بين متى، وواحد وأربعون على ما ذكر لوقا.

هذه أوجه اختلاف ستة في نسب المسيح عليه السلام وهو نسب يوسف النجار، الذي كان رجل مريم كما تذكر الأناجيل، وهذا الاختلاف الذي يعترف به المسيحيون، ولا يجدون مناصاً من الإقرار به يدل على أمرين:

أحدهما: أن أحد الإنجيلين لم يكن بإلهام بيقين، إذا فرضنا أن أحدهما صادق والآخر كاذب، فالكاذب لا شك لم يكن بإلهام، وإلا كان الإله الذي أوحى به كاذباً، وذلك لا يليق بحسب بداهة العقل، ولما كان الصحيح منهما غير متعين فالشك يرد على الاثنين، حتى يثبت الصحيح، ويقوم الدليل على صدقه دون الآخر، ومع هذا الشك لا يمكن الاعتقاد بأن ثمة إلهاماً، لأن الشك أن أعترى الأصل زال الاعتقاد.

ثانيهما: أن إنجيل متى لم يكن معروفاً للوقا، أي إنه لم يكن متدارسة معروفاً لدى العلماء في المسيحية. مع أن تدوين إنجيل متى يسبق تدوين إنجيل لوقا بأكثر من عشرين سنة على ما عليه جمهورهم، ولو كان لوقا يعرفه لراجعه، وما وقع في الخطأ الذي وقع فيه، أو على الأقل ما خالفه، وإذا لم يكن معروفاً لدى علماء المسيحية، وحوارييها ورسلها، فلابد إنه لم يكن معروفاً قط، أو بعبارة أصرح، ربما لم يكن موجوداً قط.

ولا مناص من هذا إلا أن يقول أن لوقا كان يعرفه، وأطلع على حديث النسب فيه، وخالفه على بينه منه، لأنه لم يصدقه، وعلى ذلك لا يكون لوقا معترفاً برسالة متى، والإيحاء إليه، وإن ما كتبه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وإلا ما خالف مع علمه.

وخلاصة القول في ذلك أن تلك المخالفة تنتج إحدى اثنتين: أما ألا يكون إنجيل متى معروفاً للرسول لوقا، وذلك يقتضي إلا يكون موجوداً. وأما أن يكون موجوداً يعرفه لوقا، ولكن لا يعترف به مصدراً صادق الرواية. وإحدى القضيتين لازمة حتماً، ولكن لا يعترف المسيحيون بكلتيهما.

<<  <   >  >>