(ب) ونجد في الإصحاح الخامس عشر من إنجيل متى إنه بعد مناقشة الفردسيين تقدمت إليه امرأة، ابنتها مريضة بالجنون تطلب شفاءها، ونص الخبر كما جاء في ذلك الإصحاح:"ثم خرج يسوع من هناك، وانصرف إلى نواحي صور صيداء. وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه قائلة: ارحمني يا سيدي يا ابن داود، ابنتي مجنونة جداً، فلم يجبها بكلمة، فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين: اصرفها، لأنها تصيح وراءنا". تجئ هذه القصة في الإصحاح الثامن من إنجيل مرقص بالنص الآتي:"ثم قام من هناك، ومضى إلى تخوم صور وصيداء، ودخل بيتاً وهو يريد ألا يعلم به أحد، فلم يقدر أن يختفي لأن امرأة كان بابنتها روح نجس سمعت به، فأتت وخرت عند قدميه، وكانت المرأة أممية وفي جنسيتها فينيقية سورية".
ففي هذا النص يبين جنس المرأة بأنها فينيقية سورية، وإنها أممية ليست من اليهود، وفي الأولى توصف بأنها كنعانية أي ليست فينيقية، فأيها الأحرى بالقبول؟ لاشك إنه لا يمكن أن تكون الروايتان صادقتين معاً، بل لابد أن تكون أحداهما كاذبة وليست بإلهام من الله، لأن الله لا يكذب، وإذا كانت أحداهما ليست صادقة بيقين، وكاذبة بيقين، ولم يدر أيتهما الكذابة المفتراة، فالشك إذن ملازم الاثنتين لا ينفصل عنهما، حتى نتبين الصدق من الكذب، ولا سبيل إلى ذلك، ولا يمكن أن نثبت لأيهما إلهاماً مع هذا الشك الملازم الذي لا سبيل إلى إزالته.
(جـ) وقد اختلف خبر القبض على المسيح لمحاكمته في متى عن يوحنا، ففي متى جاء في ذلك بالإصحاح السادس والعشرين ما نصه: وفيما هو يتكلم، وإذا يهوذا واحد من الاثني عشر قد جاء، ومعه جمع كثير بسيوف وعصى من عند رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب، والذي أسلمه أعطاهم علامة قائلاً:"الذي أقبله هو أمسكوه فالوقت تقدم إلى يسوع؟ وقال السلام يا سيدي وقبله، فقال يسوع يا صاحب لماذا جئت؟ حينئذ تقدموا، وألقوا الأيادي على يسوع وأمسكوه" هذا ما جاء متى، وجاء في يوحنا في هذا المقام ما نصه: "فأخذ يهوذا الجند وخداماً من عند رؤساء الكهنة والفريسيين وجاء إلى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح فخرج يسوع، وهو عالم بكل ما يأتي، وقال لهم: من تطلبون؟ أجابوه: يسوع الناصري،