قال لهم: أني أنا هو، وكان يهوذا مسلمه أيضاً واقفاً معهم، فلما قال لهم إني أنا هو رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض، فسألهم أيضاً من تطلبون؟ فقالوا يسوع الناصري، أجاب يسوع قد قلت لكم: أني أنا هو، فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون ليتم القول الذي قاله: إن الذين أعطيتني لم أهلك أحداً".
وترى هنا اختلافاً بينا بين الروايتين، فمتى يقول: أن يهوذا هو الذي أعلمهم بالمسيح بالعلامة التي اتفق معهم عليها، وهي تقبيله، ويوحنا يقول: إن المسيح هو الذي قدم نفسه وكفى يهوذا مئونة التعريف، ولا شك أن ذلك الاختلاف البين في رواية حادثة واحدة يجعل إحدى الروايتين كاذبة والثانية صادقة، والكاذبة ليست بإلهام، فإحداهما ليست بإلهام، ولا سبيل إلى معرفتها فيثبت الشك في الروايتين.
وفي الحق أن من يراجع الأناجيل في خبرها عن القبض على المسيح وحبسه، ثم محاكمته وصلبه في زعم النصارى، ثم قيامته من قبره، يجد الاختلاف في أخبارها اختلافاً بينا، ولو كان بعض هذا الاختلاف في شهادة اثنين يشهدان في درهم ما ثبت بشهادتهما دعوى، ولا انتصر بها حق.
ولتراجع الأناجيل في هذا المقام لتعرف مقدار الصحة في خبرها، ولتعرف مقدار ما في دعوى الإلهام لكاتبيها عند كتابتها من حق، فلا شك أن ذلك الاختلاف الذي لا يمكن التوفيق بين متناقضة يؤدي إلى أن تلك الأناجيل يأتيهما الشك من كل جانب، يأتيها من بين يديها، ومن خلفها، فلا يمكن أن تكون إلهاماً من حكيم حميد.
وإن ذلك الاختلاف فيما أحاط بمسألة الصلب - فوق إنه يفقد الثقة بالأناجيل، هو أيضاً يجعل خبر الصلب عند القارئ الخالي الذهن الذي لم يكن في ذهنه قبل القراءة ما ينفيه أو يثبته موضع الشك الذي يرجح فيه الرد على القبول، والتكذيب على التصديق.
(د) وفي موت يهوذا الذي خان المسيح على زعمهم، اختلف رواية متى عن رواية لوقا في سفر أعمال الرسل. فمتى يقول: إنه خنق نفسه ومات، كما جاء في الإصحاح السابع والعشرين.