قائل: أين ما تثبت به إنه روى عن شهود عاينوا، ومن هم هؤلاء الذين عاينوا وأخبروه؟ ولماذا لم يتولوا هم التدوين، وهم أولى بذلك، وكلامهم أحرى بالتصديق، فلا جواب عنده بلا ريب.
فأيتها العقول المستقيمة، أي الخبرين أحرى بالقبول، خبر من ذكر إنه روى عن فلان العدل المعروف بالصدق والتقوى، وعينه، وعدالته مشهورة، وصدقه معروف، أم خبر من ذكر لك إنه روى عمن عاين ولم يبين من هو، ولم يخبر عنه؟ فلم نعرف أهو ثقة مقبول الرواية أم هو غير ثقة كيهوذا الأسخريوطي؟ إن أقصى ما يقال هو أن لوقا نقل عن بولس، لأنه كان رفيقاً له في بعض أسفاره، ولكن بولس نفسه لم يكن من تلاميذ المسيح الذين عاينوا وشاهدوا بل كان في صدر حياته حرباً عليهم وألباً، أذاقهم البلاء اكؤساً، والشر ألواناً، فهو راو يحتاج إلى من يوثقه، إن أدعى أن لوقا روى عنه، وذلك ما لم يقله حضرة القس.
ولننتقل إلى مناقشة تشبيه الذي ذكره دليلاً: أن التبر إذا انتقل إلى أيد تستطيع صيانته وحياطته - تحفظه من التراب، وتصونه من الاختلاط به وتميط عنه كل ما يخالط جوهره، فيزداد بهذا الحفظ بريقاً وصفاء، أن أحاديث الرسول نقلها ثقات صانوها وحفظوها، ولكن يظهر أن القس يأبى في مناقشته إلا أن يخالف كل معقول، حتى يكون كل كلامه متفقاً مع الباعث عليه والداعي إليه، فيزعم أن التبر قد يتحول إلى تراب إذا تناقلته الأيدي.
فأيها الناس، ويأيها العرب والعجم، ويأيها الشرق، ويأيها الغرب هل علمتم أن الذهب يتحول إلى تراب، ولكن القس المرشد الرشيد يقول ذلك فصدقوه وكذبوا العقل والحس والمشاهدة.
ثم من الذي روى لنا تلك البشارة عن لوقا؟ أن السند يجب أن يكون معروفاً حتى لوقا، قبل أن نتعرف النسبة بين لوقا والمسيح، أن بشارة بوقا كتبت كما يزعم النصارى في العشرة السابعة بعد المسيح من غير أن يعينوا الزمن تعييناً دقيقاً، ولكن لم يرد في التاريخ، ولا على ألسنة الرؤساء والقسيسين أي ذكر لها إلى سنة ٢٠٠ ثم ذكرت الأناجيل الأربعة على سلن اثنين من العلماء فقط من سنة ٢٠٠ إلى سنة ٣٢٥، ولم نعرف أهذه الأناجيل المدونة المسطورة الآن هي التي جاء ذكرها على لسان