عالمين من علمائهم في فترة من التاريخ قدرها خمس وعشرون سنة وثلاثمائة، وهي فترة طويلة.
ولكن مع كل هذا يستحسن القس إبراهيم سعيد تلك الحال، فقد زينت له فرآها الأمر الحسن الجدير بالثقة. ورأى غيرها الأمر القبيح الجدير بالرد. وهل نطالب ذا رمد أن يفتح عينية في ضوء الشمس، أو نطالب من فقد حاسة الشم أن يدرك أريج الزهر، وعرف الطيب، أو نطالب من أيفت منه المشاعر أن يكون صادق الحس دقيق الشعور.
٦٢- ولننتقل إلى الفرق الثاني الذي ذكره معلياً لبشارته، ومنزلاً بأحاديث نبيناً عليه الصلاة والسلام يقول: فقلت الأحاديث عن طريق رواة، وما آفة الأخبار إلا رواتها، أما سيرة المسيح فقد سجلها مؤرخون محققون للأمور المتيقنة عندهم.
هذا ما ذكره بنصه تقريباً، وهو يبين أرجحية أخبار أناجيله عن سيرة المسيح بأنها رواها التاريخ، أما عن السنة فراوية رواة، وآفة الأخبار رواتها، ولا نريد مناقشة تلك الكلمة العامية التافهة "آفة الأخبار رواتها" فإنها لا تصلح مقدمة لدليل علمي، ولو أن طالباً ممن تلقوا العلم عليما قالها لعركنا أذنه وأسررنا إليه أن رواة الأخبار الذين هم آفاتها إنما هم الكاذبون، وأما الصادقون العادلون، فليسوا آفاتها بل حملتها، وإلا ما صحت شهادة، ولا قبل القضاء بينات، ولا ثبتت حقوق، ولا أدين منهم، ولا برئ بريء.
ثم يقول إن أناجيله سجلها مؤرخون محققون، فكيف نسميهم؟ أرواة رووا عن غيرهم؟ إن كانوا كذلك، فقد سجل على سيرته ما عنده قبيحاً عند غيره، وإن كانوا مؤرخين لم يتعرفوه بطريق الرواية، بل بالنقش على الأحجار، أو فيما استبطنته بطون الآثار، فأي أثر هذا وجدوا تلك الأناجيل منقوشة عليه، ومدونة فيه، وأثبت التحقيق العلمي أنها ترجع إلى عصر المسيح، وإنه هو الذي ألقاها، أو أن تلاميذه دونوها عنه؟.
إن أخبار التاريخ تثبت بأحد أمرين، أما بالرواة يروون، أو بالآثار ينقبون فيها، ويتعرفونها منها، لم تثبت الأناجيل بواحد من الأمرين، فليست ثمة رواية لها ولا رواة، وهم ينزهونها عن ذلك، ولا آثار تنطق