بها، وتعلن خبرها فهي إذن يرفضها التاريخ، ولا يمكن أن يسجلها مؤرخون محققون قط، وإن التاريخ لا يعرف لها ذكراً إلا من مجمع نيقية أو بعده. فهي مسندة إلى ثمانية عشر وثلاثمائة اجتمعوا في نيقية، وليست محققة النصبة لغيرهم بل بعضها ليس محقق النسبة عندهم، وبين هؤلاء وبين المسيح خمس وعشرون سنة وثلاثمائة!! وبعد هؤلاء المجتمعين تناقلها الرواة عنهم، وأن أغضب ذلك حضرة القس، وأن ذلك المجمع لنا فيه كلام، سنقوله في موضعه.
٦٣- ولننتقل إلى مناقشة الفرق الثالث الذي قلنه رافعاً مؤرخيه إلى مرتبة الثقة، يقول: كما كانت مهمة كتبه سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - الجمع، ليظفروا بأكبر عدد من الأحاديث. وأما مهمة لوقا، فقد كانت التحقيق والتمحيص، وهنا نرى القس أخذ يجد بعد الهزل، ويقول بعد الهذر، ولكنه إذ ابتدأ يجد قد كذب وأعظم الفرية على أحاديث نبينا، وأدعى على بشارة لوقا ما ليس فيها، فأي تحقيق علمي فيها، وأي تمحيص اشتملت عليه؟ إنها لا تفترق عن غيرها من حيث اشتمالها على أمور غريبة، وأشياء عجيبة، ولم يبين لنا رأيه فيها، بل كان قاصاً ككل القصاص، ولا يرفعها إنه كان طبيباً، لأن نسبتها إليه موضع شك كبير، ولم يتفق الكتاب على شخصه كما بينا، ولم يتفقوا على أنه كان طبيباً، بل منهم من قال إ، هـ كان مصوراً، وعلى ذلك تكون دعواه التمحيص في بشارة لوقا لا تؤيدها ما دون فيها، ولا تؤيدها نسبتها إلى لوقا.
ولننتقل بعد ذلك إلى رد افترائه، وكذبه على أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن المطلع على أخبار رواتها العدول، وما كتب في صحاحهم يتبين له إنهم ما كان همهم الجمع، بل كان همهم التنقيب والبحث فإنهم ما كانوا يروون كل ما يتلقون، بل يختارون الصادق مما يتلقون، وإن الذي يرفضون كلن أضعاف ما يقبلون وينقلون، لأنهم كانوا يتحرون الصدق ليتميز الخبيث من الطيب، وإن الصحابة كانوا يتهمون من يكثر من الرواية خشية أن يخبر عن الرسول بغير ما رأى وشاهد، فكيف يقول ذلك الرجل على غير علم، أو محرفاً الكلم عن مواضعه:"إن رواة الأحاديث كان همهم الجمع"، كلا إنهم كانوا ينقدون ما يروون، ينقدون السند أولاً، فلا يقبلون إلا من الرواة الذين أشتهر صدقهم وضبطهم وفهمهم