للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنه فعله وهو يعلم بالتّحريم, ويقوّي هذا أنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - منع من قطع درّته, ونهى من نهاه وقال: ((إنّ منكم منفّرين)) , ولو كان في فعله لارتكاب ما حرّمه الله مجترئاً معانداً لم يكن يستحق هذا الرّفق العظيم, ولكان الأشبه أن يزجر عن الجرأة كما زجر السّائل عن الضّالّة, الذي قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا وجدت)) (١) وإنّما ذكرنا هذا الوجه لزيادة قوّة الحجّة على الخصم, وإلا فالأصل جهل الأعرابيّ بالتّحريم والتّمسك بالأصل كافٍ.

فإن قال المعترض: أنّ البول في المسجد يدلّ على الجرح من حيث إنّه يدلّ على الخسّة وقلّة الحياء, إذ البول في حضرة النّاس يدلّ على ذلك كالأكل في السّوق.

قلنا: ليس كما توهّم, فإنّ ما يدل على الخسّة, وقلّة الحياء يختلف بحسب اختلاف عرف أهل بلد الفاعل لذلك وأهل زمانه, والأعراب في ذلك الزّمان وفي غيره لا تستنكر ذلك في باديتها غالباً, وكلّ ما كان أهل الصّيانة يفعلونه من المباحات في بلد أو زمان, لم يقدح في عدالة أحد من أهل تلك البلد وذلك الزمان, وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي في المدينة بغير رداء, ولا نعل, ولا قلنسوة, يعود المرضى كذلك في أقصى المدينة, ذكره ابن حزم في ((سيرته)) (٢).

ومثل هذا في بعض الأمصار في هذه الأعصار المتأخّرة مما لا يفعله بعض أهل الحياء, ومما يتكلّم بعض الفقهاء في فاعله,


(١) أخرجه مسلم برقم (٥٦٩) من حديث بريدة بن الحصيب - رضي الله عنه -.
(٢) ((جوامع السيرة)): (ص/٤٣).