للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لعُرف (١) مختصّ بهذه الأزمنة الأخيرة في الأمصار العظيمة, وإلا فمن أشد حياء من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقد كان أشد حياء من العذراء في خدرها (٢) , وكان لا يثبت بصره في وجه أحد لكثرة حيائه - صلى الله عليه وسلم - , ولكن هذا الذي فعله كان عادتهم في ذلك العصر, وإنّما الحياء يتولّد من مخالفة العادة حتّى إنّ الرّجل الفقير المستمرّ على البذاذة (٣) في الملبس, لو لبس في دفعة واحدة لباس الأكابر الذي لا يعتاده قط, وطاف به الأسواق, لكان معدوداً من أهل المجون, وقلّة الحياء لمجاهرة النّاس بمخالفة العادة من غير تدريج, ولا التماس فضيلة, وكذلك قد ورد عنه - عليه السلام - أنّه أخذ قطعة من لحم وجعل يلوكها في فيه وهو يمشي في السّكة [أو] (٤) يمشي بين أصحابه أو نحو ذلك, ذكر معناه أبو داود (٥) , وقد أردف - عليه السلام - امرأة خلفه في


(١) في (س): ((فهو عرف)).
(٢) أخرجه البخاري (الفتح): (٦/ ٦٥٤) , ومسلم برقم (٢٣٢٠) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
(٣) قال ابن الأثير في ((النهاية)): (١/ ١١٠) ((البذاذة رثاثة الهيئة. يقال: بذ الهيئة وباذ الهيئة: أي رثّ اللّبسة)) اهـ. وانظر: ((لسان العرب)): (٣/ ٤٧٧).
(٤) في (أ): ((و)).
(٥) لعلّ المؤلّف يشير إلى ما أخرجه أبو داود: (٣/ ٦٢٧) كتاب البيوع, وفيه: ((وجيء بالطعام فوضع يده, ثم وضع القوم فأكلوا, فنظر آباؤنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلوك لقمة في فمه ... )) الحديث.
أقول: وليس فيه دلالة على مراد المصنّف. والله أعلم.