بالأدلة الأثريّة والنّظريّة منصور؟ أقصى ما في الباب: أنّه لم يترجّح للمعترض موافقة الجماهير من علماء الإسلام, لكن لا يحل له الإنكار عليهم.
وإن كان يوافق على أن قبول المسلمين ذلك الزّمان قبل الاختبار مذهب صحيح, غير مدفوع ولا منكر, وإنما الذي أنكره قبول المسلم الذي يريد أن يرتدّ بعد إسلامه, فهذا لا يصح لأمرين:
أحدهما: أنّ العلم بأنّه يريد أن يرتد من قبيل علم الغيب الذي استأثر الله به, وقد حكم عليّ - رضي الله عنه - بشهادة رجلين, ثمّ انكشف أنّهما [شهدا زوراً] (١) فلم يلزمه أحد بذلك محذوراً.
وثانيهما: أنّ العدل المخبور إذا فسق بعد العدالة لم يقدح ذلك في شهادته وروايته قبل الفسق, وقد ثبت أنّ المسلمين في ذلك الزّمان عدول عقيب إسلامهم, فإذا كفروا بعد العدالة لم يقدح كفرهم فيهم قبل أن يكفروا, ولا قال أحد بأنّ الكفر يقدح في الرّاوي قبل أن يكفر.
الثّالث: سلّمنا أنّ وفد عبد القيس مجاهيل أو مجاريح, فما لمعرفة الحديث والتّعذّر أو التعسّر, وأحاديث الصّحابة الكبار هي المتداولة في كتب الحديث والفقه والتّفسير, وأحاديث الأعراب الجفاة غير معروفة إلا أن يكون شيئاً نادراً, وعلى تقدير كثرتها فتركها لا يكون سبباً لتعذّر معرفة الحديث, ولا تعسّرها, بل ذلك من أسباب السّهولة كما بيّنّا, وترك الكثير في السّهولة مثل ترك اليسير, وإنّما يختلف في ذلك حفظ الكثير واليسير, وتمييز أحاديث كبار الصّحابة
(١) في (أ): ((يشهدان الزور)) , والمثبت من (ي) و (س).