عن أحاديث جفاة الأعراب ممكن غير متعذّر,
فرجال السّنّة قد صنّفوا كتباً كثيرة في معرفة الصّحابة وبيّنوا فيها من هو معروف العدالة من الأصحاب, ومن لا يعرف إلا بظاهر حاله من الاعراب, ومن له رواية /عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ومن ليس له رواية, ومن أطال الصّحبة, ومن لم يطلها, بل تعرّضوا فيها لبيان السّابق من المسبوق, والأفضل من المفضول, والأقضى والأحفظ والأذكى, بل هم بعد هذا يبرزون صفحة الإسناد للنّقّاد, ولا يكتمون شيئاً مما قيل في رجال الحديث وعلله على سبيل الإرشاد, لمن يحبّ التّرجيح في التّقليد والاجتهاد.
وإنّما يلزم اختلاط أحاديث ثقات الأصحاب بأحاديث جفاة الأعراب لو أرسلوا الأحاديث ولم يسندوها, وقطعوها ولم يصلوها, فأين تعذّر معرفة الحديث؟ وما معنى التّشويش على طلبة الحديث بأنّ وفد عبد القيس ارتدّوا؟! وإذا ارتدّ وفد عبد القيس فمه؟! أتبطل السّنن, ويضيع العلم, ويلزم من ذلك ألا يصحّ حديث الثّقات من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ما هذا الكلام [المعتلّ, والاستدلال] (١) المختلّ؟.
وهذا ذكر جلّة الرّواة من الصّحابة -رضي الله عنهم-, رأيت ذكر أسمائهم ليعرف أنّ حديثهم هو الذي يدور عليه الفقه وينبني عليه العلم, وأنّ أحاديث جفاة الأعراب المجاهيل شيء يسير نادر على تقدير وقوعه, فيعلم أنّه لم يُبنَ على حديث جفاة الأعراب حكم شرعي, فإن اتّفق ذلك ففي نادر الأحوال ممن يستجيز ذلك من أهل العلم من غير ضرورة إلى ذلك. فإنّه لو لم يستجز الرّواية عنهم كان له
(١) في (أ): ((إلا المعتل والإسناد المختلّ))! والمثبت من (ي) و (س).