للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن لطيف علم هذا الباب: أن يعلم أنّ لفظة / ((كذّاب)) قد يطلقها كثير من المتعنّتين في الجرح على من يهم ويخطىء في حديثه, وإن لم يتبيّن أنّه تعمّد ذلك, ولا تبيّن أنّ خطأه أكثر من صوابه ولا مثله, ومن طالع كتب الجرح والتّعديل عرف ما ذكرته, وهذا يدلّ على أنّ هذا اللفظ من جملة الألفاظ المطلقة التي لم يفسّر سببها, ولهذا أطلقه كثير من الثّقات على جماعة من الرّفعاء من أهل الصّدق والأمانة, فاحذر أن تغترّ بذلك في حقّ من قيل فيه من الثّقات الرّفعاء, فالكذب في الحقيقة اللّغوية ينطلق على الوهم والعمد معاً ويحتاج إلى التّفسير, إلا أن يدلّ على التّعمد قرينة صحيحة (١).

قال النّووي -رحمه الله تعالى-: الثّاني: أن يكون ذلك واقعاً في المتابعات والشّواهد, وقد اعتذر الحاكم أبو عبد الله بالمتابعة والاستشهاد في إخراجه عن جماعة ليسوا من شرط الصّحيح, منهم: مطر الورّاق, وبقيّة بن الوليد, ومحمد بن إسحاق بن يسار, وعبد الله بن عمر العمريّ, والنّعمان بن راشد, وأخرج مسلم عنهم في الشّواهد في أشباه لهم كثيرين.

قلت: وقد صرّح مسلم بهذا كما يأتي في الوجه الرّابع, وقد استخرجت مثل ذلك للبخاري من وجه صحيح وهو: أنّه قد نصّ على تضعيف جماعة ثمّ روى عنهم في الصّحيح, ذكر ذلك الذّهبيّ في تراجمهم في ((الميزان)) (٢) , ولم يذكر أنّ البخاريّ أخرج حديثهم


(١) وانظر: ((تنقيح الأنظار)): (ق/٤٧ب) للمؤلّف.
(٢) (١/ ١٩, ٢٨٩) , على سبيل المثال لا الحصر.