للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه الرّابع: أن نقول: ما قصدك بذكر استنتاج العقيم, واستفتاء من ليس بعليم؟ هل قصدك مجرّد السّجع في الكلام, أو الإفحام للخصم والإلزام؟ إن كان الأوّل؛ فالبلغاء لا يستطيبون من الأسجاع مواردها, متى كانت [تنقص من المذاهب] (١) قواعدها, فإنّها لا تصلح إلا زينة للحجج الصّحيحة, فمتى أفسدتها كانت عند البلغاء قبيحة, لكن سجعك هذا يهدم قواعدك, ويخالف مقاصدك؛ لأنّك الذي أجزت للمقلّد العقيم أن يفتي وليس بعليم, وفي نصرة هذا المذهب أنشأت هذه الرّسالة؛ وأعدت وأبديت في نصرة هذه المقالة.

وأمّا إن كان المعترض قال ذلك الكلام على سبيل الإفحام لخصمه والإلزام؛ فقد عاد الإلزام أيضاً إليه, وخرج الاحتجاج من يديه, لأنّه الذي قضى بفقد المجتهدين, وحكم بمرتبة الفتيا للمقلّدين, وأنتج العقيم, وخبط من المناقضة في ليل بهيم, فبطلت حجّته واضمحلت, وجاء المثل: ((رمتني بدائها وانسلت)) (٢).

ومن العجائب: أنّ المعترض متصدّر للفتوى والتّدريس والمناظرة والتّصنيف, وهو معترف بالجهل, مدّع لخلوّ العالم من أهل العلم, منكر على من يرى جواز التّرجيح بالأخبار, مقتد في ذلك


(١) في ((الأصول)): ((ببعض المذهب))! ثم كتب على هامش (أ) و (ي): ((لعله متى كانت مبنيّة على بعض ... إلخ. تمت القاضي محمد بن عبد الملك الآنسي)).
أقول: وما أثبته هو الصواب, وهو من نسخة (ت). والله أعلم.
(٢) ((مجمع الأمثال)): (٢/ ٢٣) , وله قصة انظرها فيه.