وكان زميله ورفيقه في طلب هذين العلمين: القاضي محمد بن داود النهمي نفع الله به, فإنه لزمه وصحبه واقتفا آثاره, واستصوب أنظاره, وأخذ يراجعه في مسائل الكلام وتضعيف ما جاء به المتكلمون, مثل قولهم: إنّه من لم يعرف الله بأدلتهم المبنية على المقدمات المنطقية من عامة المسلمين, فهو كافر!! ومثل ما نصّ عليه شيخهم أبو هاشم وتبعه عليه أصحابه البهاشمة من غير مناكرة ولا مبالاة من قولهم: ما يعلم الله من نفسه إلا/ ما يعلمونه, وهو ردّ لقوله تعالى في سورة طه:{وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}[طه:١١٠] , بل يقال لهم: ليس الواحد منكم يعلم من نفسه ما يعلم الله منه حتى قيلت فيهم الأشعار, وسارت بالتشنيع عليهم الركبان في الأقطار, فمن ذلك قول بعضهم:
يا ضلّة الضالين حيث توهّموا ... ما لا يفوه به التّقي المسلم
قالوا إله العرش ليس بعالم ... من ذاته والوصف مالم يعلموا
هذي مقالة من هوى في متلف ... وعليه ديجور الغواية مظلم
وربما تأوّل بعضهم قول شيخهم: بأنه لا يعلم سبحانه من نفسه إلا بما يعلمونه, بأنه سبحانه يعلم أنه قادر, وأنّا نعلم أنّه قادر, وكذلك سائر الصّفات الواجبة له سبحانه وتعالى.
ممن ذكر هذا التأويل: القاضي العلاّمة فخر الدين في كتابه الموسوم بـ ((شريدة القنّاص في شرح خلاصة الرّصاص)) , وهو تأويل ضعيف يمجّه السّمع, ولا يسوغ سماعه عند المحققين من أهل النظر والسمع!!.
ولو صحّ مثله؛ لصحت تأويلات المبطلين لبواطلهم, وكم لهم