للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإسلامية ما استدامت فيها دولة حقّ منذ قرون عديدة, ودهور طويلة, فلا شك أنّ في هذه الأقاليم من عامّة أهل الإسلام عوالم لا يخصون, وخلائق لا ينحصرون, ولا شكّ أنّهم في هذه القرون العديدة, والدّهور الطّويلة لو تركوا هملاً لا يقام فيهم حدّ, ولا يقضى فيهم بحقّ, ولا يجاهد فيهم الطّغاة, ولا يؤدّب منهم العصاة: لفشا الفساد, وتظالم العباد, ومرج أمر المسلمين, وتعطّلت أحكام ربّ العالمين.

وقد علمنا على الجملة أنّ الله تعالى ما أراد بإقامة الحدود إلا زجر أهل المعاصي, ولا أراد بالجهاد إلا حفظ حوزة الإسلام وإرغام أعاديه من أهل الإجرام؛ فمتى توقّفت هذه المصالح على شرط وتعذّر تحصيله لم يعتبر ذلك الشّرط, وقد ذكر العلماء لذلك نظائر:

منها: نكاح المرأة بغير إذن وليّها متى غاب وليّها, أو بَعُد مكانه, أو جهلت حياته, فقد ترك كثير من العلماء شرط العقد المشروع -وهو رضا الولي- لأجل مصلحة امرأة واحدة, وخوف مضرّتها!.

ومنها: /نظرهم في تزويج امرأة المفقود, فكيف بمصلحة عوالم من المسلمين وخوف مضرّتهم؟!.

ومنها: الانتفاع باللّقطة بعد تعريف سنة لأن المال مخلوق للمنفعة غالباً, فلمّا تعذّر انتفاع صاحبه به انتفع به غيره كي لا يبقى هملاً لا نفع فيه, ولهذا قال - عليه السلام - في ضالّة الغنم: ((إنّما هي لك أو لأخيك أو للذئب)) (١) فزال شرط حلّ المال, وهو رضا المالك


(١) أخرجه البخاري ((الفتح)): (٥/ ١٠٠) , ومسلم برقم (١٧٢٢) من حديث زيد بن خالد - رضي الله عنه -.