للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: إن أهل ذلك العصر يعرفون هذه الأدلّة التي ألجأت أهل الكلام إلى التّأويل فذلك عناد يعلمه الخاصّة من أهل ذلك العصر, وهذا الثّاني هو الذي يركبه المتكلّمون, فإنّهم يدّعون مشاركة الصّحابة في المعارف العقلية على سبيل الجملة, وقد تكلّم الرّازي في ردّ ذلك بأنّ المعرفة الجملية غير صحيحة؛ لأنّ البرهان متى تركّب من عشر مقدّمات استحال من العارف أن يزيد في مقدّماته مقدّمة واحدة, واستحال من القاصر أن ينتج له العلم بمعرفة تسع مقدّمات, وكلامه هذا حقّ لا محيص عنه, فأمّا أن يدّعي المتكلّمون مشاركة الصّحابة في علم الكلام على سبيل التفصيل فهذا عناد عظيم, أو يدّعون المشاركة فيه على سبيل الجملة فهذا عذر غير مستقيم (١) , فلهذا التجأ أهل الحديث إلى الإيمان الجملي, وترك الخوض مع الخائضين في بحار التّأويل, وسيأتي لهذه النّكتة مزيد من بيان, وقد مرّ من ذلك طرف صالح أيضاً.

وفائدة هذا الكلام: أن تعرف أنّ القرينة متى ظهرت وعرفها المتكلّم والسّامع لم يختلف أهل اللّغة في حسن التّجوّز, وهنا يتوافق المحدّث والمتكلّم, بل يكون تناسي التشبيه أبلغ وأفصح, فإذا وصفت زيداً بأنّه أسد, جاز أن تنسب إليه جميع صفات الأسد كما في قوله:

لدى أسد شاكي السّلاح مقذّف ... له لبد أظفاره لم تقلّم (٢)


(١) في (ي): ((فهذا غير مستقيم)) وأشار إلى أن ما أثبته في نسخة, وفي (س): ((فهذا عذر سقيم)).
(٢) ((ديوان زهير)): (ص/٤٥).