للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإسلام بمغفرة جميع الذّنوب من غير توبة, لم يلزم من ذلك أن يتعمّد الكذب على الله تعالى ويجاهر بجميع المعاصي, ودليل ذلك: أن عبداً من عبيد المخلوقين لو اعتقد في سيده أنّه في غاية الحلم, ونهاية الجود والسماحة (١) , لم يدلّ ذلك على أنه كثير العصيان لسيّده والكذب عليه, بل قد يكون في غاية الإجلال لسيّده والطّاعة له, مع اعتقاد حلمه ومسامحته والأمان من عقوبته, محبة منه لسيّده ورغبة في شكر نعمة وارتفاع المنزلة عنده, وكذلك عمل النّاس مع إخوانهم وأهل الحلم والكرم منهم, ولم يكن أصحاب الأحنف وعشيرته يعصونه ويكذبون عليه ويعفّون رحمه لأجل حلمه, وكم من مهيب يعصى وتتحمّل عقوبته لأجل بغضه ومساوىء أخلاقه! وكم من حليم يطاع وكريم يمتثل (٢) وتفنى الأموال والأرواح في طاعته! فمن أين للمعترض أنّ المرجئة لما اعتقدوا أنّ الله تعالى يغفر لأهل الإسلام استهانوا بجلال الله وانهمكوا في معاصي الله وصار دأبهم الكذب على الله وعلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ولقد رأينا في الصّالحين من يزداد عملاً ونشاطاً مع الرّجاء, ويزداد ضعفاً وفتوراً مع الخوف, وهذا معروف عند أهل الذّوق, وأنشدوا في ذلك:

لها بوجهك نور يستضاء به ... ومن أياديك في أعقابها حادي

لها أحاديث من ذكراك تشغلها ... عن المنام وتلهيها عن الزّاد


(١) في (س): ((المسامحة)).
(٢) هكذا استظهرت قراءتها.