للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالمناظرة العلم بعنادهم فهو معلوم قبلها, إذ لو لم يكونوا معاندين كانوا معذورين غير معذّبين عند الله ولا ملومين, لأنّ التّكليف بما لا يعلم ولا يمكن غير جائز ولا واقع, على ما هو مقرّر في مواضعه, وإن كان قصدكم بالمناظرة تمكينهم من معرفة الله فقد مكّنهم الله تعالى من ذلك وهو غير متّهم في إقامة الحجّة وقطع العذر.

وفي ((صحيح البخاري)) (١) مرفوعاً: ((ما أحد أحب إليه العذر من الله, من أجل ذلك أرسل الرّسل)).

الوجه الثّاني: أنّ الكفّار متى سألونا الدّليل على ثبوت الإسلام, قلنا لهم: انظروا في ملكوت السّماوات والأرض ومعجزات الأنبياء ونحو ذلك من أدلّة الإسلام على الإنصاف وطلب معرفة الحق, فإنّ نظرنا لأنفسنا لا يولّد العلم لكم (٢) , وذكرنا للأدلّة التي نظرنا في صحّتها لا ينفعكم أيضاً, فإنّ ذكرها لكم من غير أن تنظروا في صحّتها لا يولّد العلم لكم, وعلى الجملة؛ فإيجاد العلم بصحة الإسلام في قلوب الكفّار غير مقدور للمسلمين لا بأدلة الكلام, ولا بأدلّة السّلف. لأنّ وجود العلم متوقف إمّا على نظر الكفّار على الوجه الصّحيح أو على خلق الله تعالى له, وكلاهما غير مقدور لنا, فلم يبق إلا أنا نأمرهم بأن ينظروا فيما نظرنا فيه على مقتضى ما خلق الله في عقولهم السّليمة, ومقتضى ما علّمهم الله على ألسنة أنبيائه الكرام عليهم الصّلاة والسّلام, فبمجموع العقل وبعثة الرّسل تمّت الحجّة عليهم بإجماع


(١) ((الفتح)): (١٣/ ٤١١) , ومسلم برقم (١٤٩٩) من حديث المغيرة بن شعبة ... - رضي الله عنه -
(٢) سقطت من (س).