للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد تأوّل هذه الآية المصرحة بجدال الكفّار يوم القيامة بعض أهل الكلام فلم يأت بما يساوي سماعه, والله الذي خلق الخلق هو أعلم منهم بطباعهم وهو الذي أخبر عنهم بذلك وبأنّهم لو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه, والحكيم من اكتفى بحكمة الله وبيانه في حقّ هؤلاء الذين لا يعرف طباعهم سواه ولا يعلم غلاظهم غيره, ولهذا وعد الله تعالى بالفصل بينهم يوم القيامة وسمّاه يوم الفصل, فأي جدليّ مغفّل يظنّ أنّه يفصل بجدله بين الخلق قبل يوم القيامة؟ والحكيم الخبير قد أنبأنا من عتوّهم وإصرارهم على الباطل بما لم نكن نعرفه إلا بتعريفه (١) سبحانه وتعالى فقال: ((ولو فتحنا عليهم باباً من السّماء فظلّوا فيه يعرجون, لقالوا إنّما سكّرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون)) [الحجر/١٤] وقال سبحانه وتعالى: ((ولو أننا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كلّ شيء قبلاً ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله)) [الأنعام/١١١] فكيف تنفع المناظرة من لم تنفعه مثل (٢) هذه الآيات الباهرة, وإنّما الحكمة أن يوكلوا إلى الذي قال في بيان القدرة على هدايتهم بما هو أعظم من تلك الآيات من ألطافه التي ليسوا لها أهلا: ((ولو شئنا لآتينا كلّ نفس هداها)) [السجدة/١٣]: ((ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلّهم جميعاً)) [يونس/٩٩] وقال تعالى في بيان علمه ببواطنهم, وحكمته في ترك هداية غواتهم (٣): ((ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولّوا وهعم معرضون)) [الأنفال/٢٣] وقال


(١) في (س): ((لولا تعريفه)).
(٢) في (س): ((قبل))!.
(٣) في (س): ((غوايتهم))!.