للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تجارتهم وما كانوا مهتدين)) [البقرة/١٥ - ١٦] وعليكم بالقرآن فإنّه الطّبيب الآسي, والكريم المواسي, ارتعوا في رياض ((حواميمه)) وانتفعوا ببيان ((طواسيمه)) , اقتدوا بأنوار مصابيحه, واستسقوا بأنواء مجاديحه/ فإنّه المعجز الذي لا تتناوله طاقات العباد, والحجّة البالغة على أهل العناد, والجديد الذي لا يخلق على طول التّرداد, ولا يبلى على مرور الآباد, قرآن بلي قشيب الزّمان وإعجازه جديد, وهرم شباب الأيام ورونقه إلى مزيد, قد خالف (١) المعجزات باستحالة السّحر في حقّه, وسطوع نور الحقّ من مشكاة بلاغته وصدقه, وذلك لأنّ إعجازه في أمور كثيرة, ووجوه حججه (٢) منيره:

منها: حسن تركيبه وإحكام ترصيفه, ومطابقة أفانينه للطيف حالتي القبض والبسط, وموافقة أساليبه لدقيق شأني القطع والرّبط, فوعيده يبكي العيون, ويستحلب الشّؤون (٣) , وتقشعرّ له الجلود, ويقطع نياط القلوب ويمنع الهجود, ووعده يثير النّشاط ويبعث داعية الانبساط, وأقاصيصه تثبّت الإيمان في القلوب, وتجلي عنها غياهب الكروب, وتزيد في الإيمان وتهدي إلى الإحسان, وهذا لا يستطيعه السّحرة والمشعوذون, إنّهم عن السّمع لمعزولون, ولو كان ذلك من المجوّزات لجوّز مثل ذلك على جميع الأشعار المدوّنات, ولكنّا إذا سمعنا كلاماً بليغاً ونظاماً بديعاً, قد وشيت بعلوم البيان بردته, وحكيت في أفانين المعاني لحمته, وقمعت بطرائف الأمثال أساليبه,


(١) في (س): ((فارق)) وهو كذلك في نسخة كما في هامش (أ) و (ي).
(٢) ليست في (س).
(٣) الشؤون: عروق الدّمع. انظر ((الأساس)): (ص/٢٢٧).