للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثاني: التمييز بين البدعة التي تردّ بها رواية الراوي المتصف بها من غيرها.

اختلف أهل العلم قديماً وحديثاً في مسألة السماع من أهل البدع والأهواء والاحتجاج بمروياتهم، فمنعت طائفة من قبول روايتهم، وهو مروي عن ابن سيرين، وحكي نحوه عن الحسن البصري، ومالك، وابن عيينة، والحميدي وغيرهم (١).

ومأخذ هذا المذهب هو أن أهل الأهواء إما أن يكونوا ممن يكفرون أو يفسقون، وأيضاً في الرواية عنهم ترويج لمذهبهم، والمطلوب مع أهل الأهواء هجرانهم وإخماد ذكرهم؛ ثم إن الهوى والبدعة لا يؤمن معهما الكذب، لا سيما إذا كان ظاهر الرواية تعضد مذهب المبتدع (٢)، وقد صرح بعض أهل الأهواء بعد التوبة بأنهم كانوا إذا هووا أمراً صيروه حديثاً (٣).

والمذهب الثاني: قبول روايتهم إذا لم يتَّهموا بالكذب واستحلاله، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة، والإمام الشافعي، ويحيى القطان، وعلي بن المديني. قال ابن المديني: "لو تركت أهل البصرة للقدر، وتركت أهل الكوفة للتشيع لخرِبتِ الكتب" (٤).

والمذهب الثالث: التفريق بين الداعية وغيره، فيقبل رواية غير الداعية إلى بدعته، وترد رواية الداعية، وقد نسب هذا القول إلى ابن المبارك، وابن مهدي،


(١) انظر: الكفاية في علم الرواية ص ١٩٤ وما بعدها، وشرح علل الترمذي ١/ ٣٥٦.
(٢) انظر: شرح علل الترمذي ١/ ٣٥٧، ضوابط الجرح والتعديل ص ٩٧.
(٣) الجرح والتعديل ٢/ ٣٢ - ٣٣.
(٤) الكفاية في علم الرواية ص ٢٠٢، ٢٠٦، وشرح علل الترمذي ١/ ٣٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>