للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثاني: ما يدل على اكتفاء الإمام أحمد بالمعاصرة وإمكان السماع والجواب عنه.

بعد تقرير أن الإمام أحمد يذهب إلى اشتراط ثبوت السماع للحكم بالاتصال قد يعترض ببعض النصوص ظواهرها تدل على اكتفائه بالمعاصرة وإمكان اللقاء، فينتقض ما سبق تقريرُه، سأُورد ما وقفت عليه من تلك النصوص مع الجواب عليها إن شاء الله.

١. قال الأثرم: "سألت أحمد قلت: محمد بن سُوقة سمع من سعيد بن جُبير؟ قال: نعم، قد سمع من الأسود غير شيء" (١)

وهذا ظاهره استدلال بسماعه من الأسود بن يزيد على سماعه من سعيد ابن جبير، فإن الأسود أقدم من سعيد، مات سنة (٧٤) هـ، وقد أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان لم يره (٢)، بينما مات سعيد بن جبير سنة (٩٥) هـ. فلا يكون محمد بن سوقة سمع من الأسود إلا وقد سمع من سعيد، لأن كلهم من أهل الكوفة. فهذا في الظاهر استدلال بإمكان السماع من غير الوقوف على التصريح به. لكن أجاب ابن رجب عن هذا الظاهر فقال: "كأنه يقول: إن الأسود أقدم، لكن قد يكون مستند أحمد أنه وجد التصريح لسماعه منه، وما ذكره من قِدم الأسود إنما ذكره ليستدل به على صحة قول من ذكر سماعه من سعيد بن جبير، فإنه كثيراً ما يرِدُ التصريح بالسماع ويكون خطأ" (٣)، وهذا تعليل واضح وصحيح، فإن التصريح بالسماع كثيراً ما يكون خطأ، ومن الأمور التي تكشف خطأه عدم إمكان السماع، ومن أمثلة ذلك إنكار


(١) شرح علل الترمذي ٢/ ٥٨٩.
(٢) تحفة التحصيل ص ٣٠.
(٣) شرح علل الترمذي الموضع نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>