للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب السادس: سوء الحفظ المقيد برواية الراوي حين يروي بالمعنى.

درج كثير من رواة الآثار من لدن عهد الصحابة على رواية الأحاديث بالمعنى، ولم يروا ضرورة الالتزام باللفظ المسموع في الرواية إذا كان المعنى المؤدّى صحيحاً، قال الإمام الشافعي: "وقد قال بعض التابعين: لقيت أناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا في المعنى، واختلفوا عليّ في اللفظ، فقلت لبعضهم ذلك، فقال: لا بأس ما لم يُحيل المعنى" (١)، أي يُعدله عن وجهه. وعن ابن سيرين بإسناد صحيح قال: "كنت أسمع الحديث من عشرة، المعنى واحد واللفظ مختلف" (٢).

وذهب معظم أهل العلم إلى جواز ذلك، لكن اشترطوا في الذي يروي بالمعنى أن يكون عالماً بمدلولات الألفاظ ومقاصدها، وما يحيل معناها (٣). قال الإمام الشافعي في بيان من تقوم بخبره الحجة: "إذا حدّث به أي الحديث على المعنى وهو غير عالم بما يحيل معناه، لم يدر لعله يحيل الحلال إلى الحرام" (٤).

وكان الإمام أحمد ممن ذهب إلى جواز الرواية بالمعنى، ويستدل لذلك بفعل السلف، قال: "ما زال الحفاظ يحدّثون بالمعنى، وإنما يجوز ذلك لمن هو عالم بلغات العرب، بصير بالمعاني، عالم بما يحيل المعنى وما لا يحيله" (٥). ومما يدل على تقريره للرواية بالمعنى إذا لم تحصل الإحالة في المعنى ما ذكره أبو داود في مسائله قال: "سمعت أحمد بن محمد بن حنبل قال: قال عبد الرحمن: سألت سفيان عنه ـ يعني عن حديث عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "للفارس


(١) الرسالة ص ٢٧٥/ ٧٥٥.
(٢) جامع بيان العلم وفضله ١/ ٣٤٤ رقم ٤٦٤، ٤٦٥.
(٣) انظر: شرح علل الترمذي ١/ ٤٢٧، وفتح المغيث ٣/ ١٣٧ - ١٣٨.
(٤) الرسالة ص ٣٧٠ - ٣٧١.
(٥) شرح علل الترذي ١/ ٤٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>